Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 1, Ayat: 6-7)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } . لم يبين هنا من هؤلاء الذين أنعم عليهم . وبين ذلك في موضع آخر بقوله { فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَـٰئِكَ رَفِيقاً } النساء 69 . تنبيهان الأول يؤخذ من هذه الآية الكريمة صحة إمامة أبي بكر الصديق رضي الله عنه . لأنه داخل فيمن أمرنا الله في السبع المثاني والقرآن العظيم . - أعني الفاتحة - بأن نسأله أن يهدينا صراطهم . فدل ذلك على أن صراطهم هو الصراط المستقيم . وذلك في قوله { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } ، وقد بين الذين أنعم عليهم فعد منهم الصديقين . وقد بين صلى الله عليه وسلم أن أبا بكر رضي الله عنه من الصديقين ، فاتضح أنه داخل في الذين أنعم الله عليهم … الذين أمرنا الله أن نسأله الهداية إلى صراطهم فلم يبق لبس في أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه على الصراط المستقيم ، وأن إمامته حق . الثاني قد علمت أن الصديقين من الذين أنعم الله عليهم . وقد صرح تعالى بأن مريم ابنة عمران صديقة في قوله { وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ } المائدة 75 الآية - وإذن فهل تدخل مريم في قوله تعالى { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } الفاتحة 7 أو لا ؟ الجواب أن دخولها فيهم يتفرع على قاعدة أصولية مختلف فيها معروفة ، وهي هل ما في القرآن العظيم والسنة من الجموع الصحيحة المذكرة ونحوها مما يختص بجماعة الذكور تدخل فيه الإناث أو لا يدخلن فيه إلا بدليل منفصل ؟ فذهب قوم إلى أنهن يدخلن في ذلك . وعليه فمريم داخلة في الآية واحتج أهل هذا القول بأمرين الأول إجماع أهل اللسان العربي على تغليب الذكور على الإناث في الجمع . والثاني ورود آيات تدل على دخولهن في الجموع الصحيحة المذكرة ونحوها ، كقوله تعالى في مريم نفسها { وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ ٱلْقَانِتِينَ } التحريم 12 ، وقوله في امرأة العزيز { يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا وَٱسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَاطِئِينَ } يوسف 29 ، وقوله في بلقيس { وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ } النمل 43 ، وقوله فيما كالجمع المذكر السالم { قُلْنَا ٱهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً } البقرة 38 الآية - فإنه تدخل فيه حواء إجماعاً . وذهب كثير إلى أنهن لا يدخلن في ذلك إلا بدليل منفصل . واستدلوا على ذلك بآيات كقوله { إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَاتِ وَٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } إلى قوله { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً } الأحزاب 35 وقوله تعالى { قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ } النور 30 ، ثم قال { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ } النور 31 الآية - فعطفهن عليهم يدل على عدم دخولهن . وأجابوا عن حجة أهل القول الأول بأن تغليب الذكور على الإناث في الجمع ليس محل نزاع . وإنما النزاع في الذي يتبادر من الجمع المذكر ونحوه عند الإطلاق . وعن الآيات بأن دخول الإناث فيها . إنما علم من قرينة السياق ودلالة اللفظ ، ودخولهن في حالة الاقتران بما يدل على ذلك لا نزاع فيه . وعلى هذا القول فمريم غير داخلة في الآية . وإلى هذا الخلاف أشار في مراقي السعود بقوله @ وما شمول من للأنثى جنف وفي شبيه المسلمين اختلفوا @@ وقوله { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ } . قال جماهير من علماء التفسير { ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ } اليهود و { ٱلضَّآلِّينَ } النصارى . وقد جاء الخبر بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه . واليهود والنصارى وإن كانوا ضالين جميعاً مغضوباً عليهم جميعاً ، فإن الغضب إنما خص به اليهود ، وإن شاركهم النصارى فيه ، لأنهم يعرفون الحق وينكرونه ويأتون الباطل عمداً ، فكان الغضب أخص صفاتهم . والنصارى جهلة لا يعرفون الحق ، فكان الضلال أخص صفاتهم . وعلى هذا فقد يبين أن { ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ } اليهود . قوله تعالى فيهم { فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ } البقرة 90 الآية - وقوله فيهم أيضاً { هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ } المائدة 60 الآية - وقوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ } الأعراف 152 الآية - وقد يبين أن الضالين النصارى ، قوله تعالى { وَلاَ تَتَّبِعُوۤاْ أَهْوَآءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ } المائدة 77 .