Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 100, Ayat: 1-5)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في إملائه : العاديات : جمع عادية ، والعاديات : المسرعات في مسيرها . فمعنى العاديات : أقسم بالمسرعات في سيرها . ثم قال : وأكثر العلماء على أن المراد به الخيل ، تعدو في الغزو ، والقصد تعظيم شأن الجهاد في سبيل الله . وقال بعض العلماء : المراد بالعاديات : الإبل تعدو بالحجيج من عرفات إلى مزدلفة ومنىً . ومعنى قوله : ضبحاً : أنها تضبح ضبحاً ، فهو مفعول مطلق ، والضبح : صوت أجواف الخيل عند جريها . وهذا يؤيد القول الأول الذي يقول هي الإبل ، ولا يختص الضبح بالخيل . فالموريات قدحاً : أي الخيل توري النار بحوافرها من الحجارة ، إذا سارت ليلاً . وكذلك الذي قال : العاديات : الإبل . قال : برفعها الحجارة فيضرب بعضها بعضاً . ويدل لهذا المعنى قول الشاعر : @ تنفي يداها الحصا في كل هاجرة نفي الدراهم تنقاد الصياريف @@ فالمغيرات صبحا ، الخيل تغير على العدو وقت الصبح . وعلى القول الأول : فالإبل تغير بالحجاج صبحاً من مزدلفة إلى منى يوم النحر . فأثرن به نقعاً : أي غباراً . قال به . أي : بالصبح أو به . أي بالعدو . والمفهوم من العاديات : توسطن به جمعاً ، أي دخلن في وسط جمع أي خلق كثير من الكفار . ونظير هذا المعنى قول بشر بن أبي حازم : @ فوسطن جمعهم وأفلت حاجب تحت العجاجة في الغبار الأقتم @@ وعلى القول الثاني الذي يقول : العاديات الإبل تحمل ، الحجيج . فمعنى قوله : { فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً } ، أي صرن بسبب ذلك العدو ، وسط جمع . وهي المزدلفة ، وجمع اسم من أسماء المزدلفة . ويدل لهذا المعنى قول صفية بنت عبد المطلب ، عمة النَّبي صلى الله عليه وسلم وأم الزبير بن العوام رضي الله عنهما : @ فلا والعاديات مغبرات جمع بأيدها إذا سطع الغبار @@ وهذا الذي ساقه الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه ، قد جمع أقوال جميع المفسرين في هذه الآيات ، وقد سقته بحروفه لبيانه للمعنى كاملاً . ولكن مما قدمه رحمة الله تعالى علينا وعليه أن من أنواع البيان في الأضواء : أنه إذا اختلف علماء التفسير في معنى وفي الآية قرينة . ترد أحد القولين أو تؤيد أحدهما فإنه يشير إليه . وقد وجد اختلاف المفسرين في هذه الآيات في نقطة أساسية من هذه الآيات مع اتفاقهم في الألفاظ ، ومعانيها والأسلوب وتراكيبه . ونقطة الخلاف هي معنى الجمع الذي توسطن به ، أهو المزدلفة لأن من أسمائها جمعاً كما في الحديث : " وقفت ها هنا وجمع كلها موقف " وهذا مروي عن علي رضي الله عنه ، في نقاش بينه وبين ابن عباس . ساقه ابن جرير . أم بالجمع جمع الجيش في القتال على ما تقدم ، وهو قول ابن عباس وغيره . حكاه ابن جرير وغيره . وقد وجدنا قرائن عديدة في الآية تمنع من إرادة المزدلفة بمعنى جمع ، وهي كالآتي : اولاً وصف الخيل أو الإبل على حد سواء بالعاديات ، حتى حد الضبح وروى النار بالحوافر وبالحصا ، لأنها أوصاف تدل على الجري السريع . ومعلوم أن الإفاضة عن عرفات ثم من المزدلفة لا تحتمل هذا العدو ، وليس هو فيها بمحمود ، لأنه صلى الله عليه وسلم كان ينادي " السكينة السكينة " فلو وجد لما كان موضع تعظيم وتفخيم . ثانياً : أن المشهور أن إثارة النقع من لوازم الحرب ، كما قاله بشار : @ كأن مثار النقع فوق رؤوسنا وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه @@ أي : لشدة الكر والفر . ثالثاً : قوله تعالى : { فَٱلْمُغِيرَاتِ صُبْحاً فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً } [ العاديات : 3 - 5 ] ، جاء مرتباً بالفاء ، وهي تدل على الترتيب والتعقيب . وقد تقدم المغيرات صبحاً ، وبعدها فوسطن به جمعاً . وجمع هي المزدلفة ، وإنما يؤتى إليها ليلاً . فكيف يقرن صبحاً ، ويتوطن المزدلفة ليلاً . وعلى ما حكاه الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه ، أنهم يغيرون صبحاً من المزدلفة إلى منى ، تكون تلك الإغارة صبحاً بعد التوسط بجمع ، والسياق يؤخرها عن الإغارة ولم يقدمها عليها . فتبين بذلك أن إرادة الزدلفة غير متأتية في هذا السياق . ويبقى القول الآخر وهو الأصح . والله تعالى أعلم . ولو رجعنا إلى نظرية ترابط السور فيها ترشيحاً لهذا المعنى ، وهو أنه في السورة السابقة ، ذكرت الزلزلة وصدور الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم . وهنا حث على أفضل الأعمال التي تورث الحياة الأبدية والسعادة الدائمة في صورة مماثلة ، وهي عدوهم أشتاتاً في سبيل الله لتحصيل ذاك العمل الذي يحبون رؤيته في ذلك الوقت ، وهو نصرة دين الله أو الشهادة في سبيل الله ، والعلم عند الله تعالى .