Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 100, Ayat: 6-8)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا الجواب قال القرطبي : الكنود : الكفور الجحود لنعم الله ، وهو قول ابن عباس . وقيل الحسن : يذكر المصائب وينسى النعم ، أخذه الشاعر فنظمه : @ يا أيها الظالم في فعله والظلم مردود على من ظلم إلى متى أنت وحتى متى تشكو المصيبات وتنسى النعم @@ وروى أبو أمامة الباهلي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الكنود هو الذي يأكل وحده ، ويمنع رفده ، ويضرب عبده " . وروى ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أبشركم بشراركم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : من نزل وحده ، ومنع رفده ، وجلد عبده " خرجهما الترمذي الحكيم في نوادر الأصول . وروى ابن عباس أيضاً أنه قال : " الكنود بلسان كندة وحضرموت : العاصي ، وبلسان ربيعة ومضر : الكفور ، وبلسان كِنانة : البخيل السيء الملكة " . وقال مقاتل . وقال الشاعر : @ كنود لنعماء الرجال ومن يكن كَنوداً لنعماء الرجال يُبعّد @@ أي كفور . ثم قيل : هو الذي يكفر اليسير ، ولا يشكر الكثير . وقيل : الجاحد للحق . وقيل : سميت كندة كندة ، لأنها جحدت أباها . وقال إبراهيم بن هرمة الشاعر : @ دع البخلاء إن شمخُوا وصَدوا وذكري بخل غانيةٍ كنود @@ في نقول كثيرة وشواهد . ومنها : الكنود الذي ينفق نعم الله في معصية الله . وعن ذي النون : الهلوع والكنود : هو الذي إذا مسه الشر جزوعاً ، وإذا مسه الخير منوعاً . وقيل : الحسود الحقود . ثم قال القرطبي رحمه الله في آخر البحث : قلت : هذه الأقوال كلها ترجع إلى معنى الكفران والجحود . وقد فسر النَّبي صلى الله عليه وسلم معنى الكنود بخصال مذمومة ، وأحوال غير محمودة ، فإن صح فهو أعلى ما يقال ، ولا يبقى لأحد معه مقال . اهـ . وهكذا كما قال : إن صح الأثر فلا قول لأحد ، ولكن كل هذه الصفات من باب اختلاف التنوع ، لأنها داخلة ضمن معنى الجحود للحق أو للنعم . وقد استدل ذو النون المصري بالآية الكريمة ، وهي مفسرة للكنود على المعاني المتقدمة بأنه هو الهلوع { إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ ٱلْخَيْرُ مَنُوعاً } [ المعارج : 20 - 21 ] . ومثلها قوله : { فَأَمَّا ٱلإِنسَانُ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَكْرَمَنِ وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَهَانَنِ } [ الفجر : 15 - 16 ] . وقد عقب عليه هناك بمثل ما عقب عليه هنا . فهناك قال تعالى : { كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ ٱلْيَتِيمَ وَلاَ تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ وَتَأْكُلُونَ ٱلتُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً وَتُحِبُّونَ ٱلْمَالَ حُبّاً جَمّاً } [ الفجر : 17 - 20 ] . وهنا عقب عليه بقوله : { وَإِنَّهُ لِحُبِّ ٱلْخَيْرِ لَشَدِيدٌ } [ العاديات : 8 ] ، والله تعالى أعلم . وقوله : إن الإنسان عام في كل إنسان ، ومعلوم أن بعض الإنسان ليس كذلك ، كما قال تعالى : { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ } [ الليل : 5 - 6 ] ، مما يدل على أنه من العام المخصوص . وأن هذه الصفات من طبيعة الإنسان إلا ما هذبه الشرع ، كما قال تعالى : { وَأُحْضِرَتِ ٱلأنْفُسُ ٱلشُّحَّ } [ النساء : 128 ] . وقوله : { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } [ الحشر : 9 ] . ونص الشيخ في إملائه أن المراد به الكافر . قوله تعالى : { وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَلِكَ لَشَهِيدٌ } . اختلف في مرجع الضمير في : وإنه ، فقيل : راجع للإنسان ، ورجحه الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في دفع إيهام الاضطراب ، مستدلاً بقوله تعالى بعده { وَإِنَّهُ لِحُبِّ ٱلْخَيْرِ لَشَدِيدٌ } [ العاديات : 8 ] . وقيل : راجع إلى رب الإنسان . واختار هذا القرطبي وقدمه . وجميع المفسرين يذكرون الخلاف ، وقد عرفت الراجح منها ، وعليه ، فعلى أنه راجع لرب الإنسان فلا إشكال في هذه الآية ، وعلى أنه راجع للإنسان ففيه إشكال أورده الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في دفع إيهام الإضطراب وأجاب عليه . وهو أنه جاءت نصوص تدل على أنه ينكر ذلك ، وأنه كان يجب أن يحسن صنعاً ، ونحو ذلك . ومن الجواب عليه : أن شهادته بلسان الحال . وقد أورد بعض المفسرين شهادتهم بلسان المقال في قوله تعالى : { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ } [ التوبة : 17 ] ، إلا أن هذه الشهادة بالكفر هي الشرك . والله تعالى أعلم . قوله تعالى : { وَإِنَّهُ لِحُبِّ ٱلْخَيْرِ لَشَدِيدٌ } . الخير عام ، كما تقدم في قوله تعالى : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } [ الزلزلة : 7 ] . ولكنه هنا خاص بالمال ، فهو من العام الذي أريد به لخاص من قصر العام على بعض أفراده ، لأن المال فرد من أفراد الخير ، كقوله تعالى : { إِن تَرَكَ خَيْراً } [ البقرة : 180 ] ، أي مالاً ، لأن عمل الخير يصحبه معه ولا يتركه . وفي معنى هذا وجهان : الأول وإنه لحب الخير أي بسبب حبه الخير لشديد بخيل ، شديد البخل . كما قيل : @ أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي عقيلة مال الفاحش المتشدد @@ أي شديد البخل على هذه الرواية من هذا البيت . والوجه الثاني : وإنه لشديد حب المال . قالهما ابن كثير . وقال : كلاهما صحيح ، والواقع أن الثاني يتضمن الأول . ويشهد للوجه الثاني ، قوله تعالى : { وَتَأْكُلُونَ ٱلتُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً * وَتُحِبُّونَ ٱلْمَالَ حُبّاً جَمّاً } [ الفجر : 19 - 20 ] وقلنا إن الثاني يتضمن الأول ، لأن من أحب المال حباً جماً سيحمله حبه على البخل . وفي هذا النص مذمة حب المال وهو جبلة في الإنسان ، إلا من هذبه الإسلام ، إلا أن الذم ينصب على شدة الحب التي تحمل صاحبها على ضياع الحقوق أو تعدي الحدود . وهذه الآية وما قبلها نازلة في الكفار كما قدمنا كلام الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في إملائه .