Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 101, Ayat: 6-7)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
في قوله : { فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ } ، دلالة على وقع الوزن لكل إنسان . والموازين : يراد بها الموزون ، ويراد بها آلة الوزن ، كالمعايير ، وهما متلازمان . وتقدم أن المعايير بالذرة وأقل منها . وقد جاء نصوص على وضع الموازين وإقامتها بالعدل والقسط . وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه بيان ذلك عند قوله تعالى : { وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ } [ الأنبياء : 47 ] . وقوله : { فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } ، قالوا : بمعنى مرضية ، وراضية أصلها مرضية ، كما في قوله : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ } [ الغاشية : 8 - 9 ] ، إسناد الرضى للعيشة ، على أنها هي فاعلة الرضى ، لأن كلمة العيشة جامعة لنعيم الجنة وأسباب النعيم ، راضية طائعة لينة لأصحاب الجنة ، فتفجر لهم الأنهار طواعية ، وتدنو الثمار طواعية ، كما في قوله : { قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ } [ الحاقة : 23 ] . فالقول الأول : هو المعروف في البلاغة بإطلاق المحل وإرادة الحال ، كقوله تعالى : { فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ } [ العلق : 17 ] . والنادي : مكان منتدى القوم ، أي ينادي بعضهم بعضاً للاجتماع فيه . والمراد : من يحل في هذا النادي ، ويكون هنا أطلق المحل وهو محل العيشة ، وأراد الحال فيها . وعلى الثاني : فهو إسناد حقيقي من إسناد الرضى لمن وقع منه أو قام به . ومما هو جدير بالذكر أن حمله على الأسلوب البياني ليس متجهاً كالآية الأخرى ، لأن العيشة ليست محلاً لغيرها بل هي حالة ، والمحل الحقيقي هو الجنة والعيشة حالة فيها ، وهي اسم لمعاني النعيم كما تقدم ، فيكون حمل الإسناد على الحقيقة أصح . وقد جاءت الأحاديث : أن الجنة تحس بأهلها وتفرح بعمل الخير ، كما أنها تتزين وتبتهج في رمضان ، وأنها تناظرت مع النار . وكل يدلي بأهله وفرحه بهم ، حتى وعد الله كلاً بملئها . ونصوص تلقي الحور والولدان والملائكة في الجنة لأهل الجنة بالرضى والتحية معلومة . وقوله : { لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ } [ يس : 57 ] ، أي لا يتأخر عنهم شيء . وقوله : { وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ طِبْتُمْ فَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ } [ الزمر : 73 ] . وقوله : { فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ } [ الرحمن : 56 ] . وقاصرات الطرف عن رضى بأهلهن . ومنه { حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي ٱلْخِيَامِ } [ الرحمن : 72 ] ، أي على أزواجهن . وقوله : { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً } [ الإنسان : 14 ] ، ونحو ذلك ، مما يشعر بأنه نعيم الجنة بنفسه راض بأهل الجنة ، والله سبحانه وتعالى أعلم .