Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 102, Ayat: 8-8)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أصل النعيم كل حال ناعمة من النعومة والليونة ، ضد الخشونة واليبوسة ، والشدائد ، كما يشير إليه قوله تعالى : { وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ } [ النحل : 53 ] . ثم قال : { إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } [ النحل : 53 ] ، فقابل النعمة بالضر . ومثله قوله تعالى : { وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيِّئَاتُ عَنِّيۤ } [ هود : 10 ] . وعلى هذا فإن نعم الله عديدة ، كما قال : { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَآ } [ النحل : 18 ] . وبهذا تعلم أن كل ما قاله المفسرون ، فهو من قبيل التمثيل لا الحصر ، كما قال تعالى : { لاَ تُحْصُوهَآ } . وأصول هذه النعم أولها بالإسلام { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلاَمَ دِيناً } [ المائدة : 3 ] . ويدخل فيها نعم التشريع والتخفيف ، عما كان على الأمم الماضية . كما يدخل فيها نعمة الإخاء في الله { وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً } [ آل عمران : 103 ] ، وغير ذلك كثيراً . وثانيها : الصحة ، وكمال الخلقة والعافية ، فمن كمال الخلقة الحواس { أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ } [ البلد : 8 - 9 ] . ثم قال : { إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } [ الإسراء : 36 ] . وثالثها : المال في كسبه وإنفاقه سواء ، ففي كسبه من حله نعمة ، وفي إنفاقه في أوجهه نعمة . هذه أصول النعم ، فماذا يسأل عنه ، منها جاءت السنة بأنه سيسأل عن كل ذلك جملة وتفصيلا . أما عن الدين والمال والصحة ، ففي مجمل الحديث " إذا كان يوم القيامة ، لا تزل قدم عبد حتى يسأل عن خمس : عن عمره فيما أبلاه ، وعن علمه فيم عمل به ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ، وعن شبابه فيم أفناه " . ولعظم هذه الآية وشمولها ، فإنها أصبحت من قبيل النصوص مضرب المثل ، فقد فصلت السنة جزئيات ما كانت تخطر ببال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد روى القرطبي ما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم أو ليلة ، فإذا هو بأبي بكر وعمر ، فقال : " ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة ؟ " قالا : الجوع يا رسول الله ! قال : وأنا ، والذي نفسي بيده ! لأخرجني الذي أخركما ، قوما فقاما فقاموا معه ، فأتى رجلاً من الأنصار ، فإذا هو ليس في بيته ، فلما رأته المرأة قالت : مرحباً ! وأهلاً ! فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أين فلان ؟ " قالت : ذهب يستعذب لنا من الماء - أي يطلب ماءً عذباً - . إذ جاء الأنصاريُّ ، فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه ، ثم قال : الحمد لله ، ما أحدٌ اليوم أكرم أضيافاً مني . قال : فانطلق فجاءهم بِعذْق فيه بُسْرٌ وتمرٌ ورُطبٌ ، فقال : كلوا من هذه ، وأخذ المدية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إياك والحَلوب ، فذبح لهم : فأكلوا من الشاة ، ومن ذلك العِذق ، وشربوا ، فلما أن شبعوا وَرووا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر : " والذي نفسي بيده ! لتُسأَلن عن هذا يوم النعيم يوم القيامة ، أخرجكم من بيوتكم الجوع ، ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم " وخرجه الترمذي . وقال فيه : " هذا والذي نفسي بيده ، من النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة ، ظل بارد ورطب طيب ، وماء بارد " وكنى الرجل الذي من الأنصار . فقال : أبو الهيثم بن التيهان . قال القرطبي : قلت : اسم هذا الرجل مالك بن التيهان ، ويكنى أبا الهيثم . وقد ذكر ابن كثير هذه القصة من عدة طرق . ومنها : عند أحمد " أن عمر رضي الله عنه أخذ بالفرق وضرب به الأرض ، وقال : " إنا لمسؤولون عن هذا يا رسول الله ؟ قال : نعم ، إلا من ثلاثة : خرقة لف الرجل بها عورته ، أو كسرة سد بها جوعه ، أو حجر يدخل فيه من الحر والقر " " . وقال سفيان بن عيينة : إن ما سد الجوع ، وستر العورة من خشن الطعام ، لا يسأل عنه المرء يوم القيامة ، وإنما يسأل عن النعيم ، والدليل عليه أن الله أسكن آدم الجنة فقال له : { إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىٰ وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَىٰ } [ طه : 118 - 119 ] . فكانت هذه الأشياء الأربعة ما يسد به الجوع ، وما يدفع به العطش ، وما يسكن فيه من الحر ويستر به عورته ، لآدم عليه السلام بالإطلاق ، لا حساب عليها لأنه لا بد له منها . وذكر عن أحمد أيضاً بسنده " أنهم كانوا جلوساً فطلع عليهم النَّبي صلى الله عليه وسلم وعلى رأسه أثر ماء ، فقلنا : يا رسول الله ، نراك طيب النفس ؟ قال : أجل ، قال : خاض الناس في ذكر الغنى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا بأس بالغنى لمن اتقى الله ، والصحة لمن اتقى الله ، خير من الغنى ، وطيب النفس من النعم " . قال : ورواه ابن ماجه0 عن أبي هريرة . وبهذا ، فقد ثبت من الكتاب والسنة ، أن النعيم الذي هو محل السؤال يوم القيامة عام في كل ما يتنعم به الإنسان في الدنيا ، حساً كان أو معنى . حتى قالوا : النوم مع العافية ، وقالوا : إن السؤال عام للكافر والمسلم ، فهو للكافر توبيخ وتقريع وحساب ، وللمؤمن تقرير بحسب النعمة وجحودها وكيفية تصريفها . والعلم عند الله تعالى . وكل ذلك يراد منه الحث على شكر النعمة ، والإقرار للمنعم والقيام بحقه سبحانه فيها ، كما قال تعالى عن نبي الله : { رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِيۤ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } [ الأحقاف : 15 ] . اللَّهم أوزعنا شكر نعمتك ، واجعل ما أنعمت علينا عوناً لنا على طاعتك .