Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 107, Ayat: 4-7)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اختلف في المصلين الذين توجه إليهم الوعيد بالويل هنا . والجمهور : على أنهم الذين يسهون عن أدائها ، ويتساهلون في أمر المحافظة عليها . وقيل : عن الخشوع فيها وتدبر معانيها . ولكن الصحيح أنه الأول . وقد جاء عن عطاء وعن ابن عباس أنهما قالا : الحمد لله الذي قال عن صلاتهم ، ولم يقل في صلاتهم ، كما أن السهو في الصلاة لم يسلم منه أحد ، حتى أنه وقع من النَّبي صلى الله عليه وسلم لما سلم من ركعتين في الظهر كما هو معلوم من حديث ذي اليدين ، وقال : " إني لا أنسى ، ولكني أنسى لأسنَّ " فكيف ينسيه الله ليسنَ للناس أحكام السهو ، ويقع الناس في السهو بدون عمد منهم . وقد قال صلى الله عليه وسلم : " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ، وما استكرهوا عليه " . وقد عقد الفقهاء باب سجود السهو تصحيحاً لذلك . لذلك بقي من المراد بالذين هم عن صلاتهم ساهون . قيل : نزلت في أشخاص بأعيانهم . وقيل : في كل من أخَّر الصلاة عن أول وقتها ، أو عن وقتها كله ، إلى غير ذلك ، أو عن أدائها في المساجد وفي الجماعة . وقيل : في المنافقين . وفي السورة تفسير صريح لهؤلاء ، وهو قوله تعالى : { ٱلَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ } [ الماعون : 6 - 7 ] . والمرائي في صلاته قد يكون منافقاً ، وقد يكون غير منافق . فالرياء أعم من جهة ، والنفاق أعم من جهة أخرى ، أي قد يرائي في عمل ما ، ويكون مؤمناً بالبعث والجزاء وبكل أركان الإيمان ، ولا يرائي في عمل آخر ، بل يكون مخلصاً فيه كل الإخلاص . والمنافق دائماً ظاهره مخالف لباطنه في كل شيء ، لا في الصلاة فقط . ولكن جاء النص : بأن المراءاة في الصلاة ، من أعمال المنافقين . وجاء النص أيضاً . بأن منع الماعون من طبيعة الإنسان إلا المصلين ، كما في قوله تعالى : { إِنَّ ٱلإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ ٱلْخَيْرُ مَنُوعاً إِلاَّ ٱلْمُصَلِّينَ } [ المعارج : 19 - 22 ] . وقد تقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه ، بيان السهو عنها وإضاعتها عند قوله تعالى : { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلاَةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً إِلاَّ مَن تَابَ } [ مريم : 59 - 60 ] الآية . وبين في آخر المبحث تحت عنوان : مسألة في حكم تاركي الصلاة جحداً أو كسلاً . وزاده بياناً ، عند قوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ } [ المؤمنون : 9 ] في دفع إيهام الاضطراب للجمع بين هذه الآية وآية { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ } [ المدثر : 42 ] . وذكر قول الشاعر : @ دع المساجد للعباد تسكنها @@ على ما سنذكره بعد ، ثم نبه قائلاً : إذا كان الوعيد عمن يسهو عنها فكيف بمن يتركها ؟ اهـ . وقد تساءل بعض المفسرين عن موجب اقتران هذه الآية بالتي قبلها . وأجابوا : بأن الكل من دوافع عدم الإيمان بالبعث ، ومن موجبات التكذيب بيوم الدين ، فهي مع ما قبلها في قوة ، فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين ، وعن صلاتهم ساهون ، فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون . فجمعهم مع الأول ، ونص على وعيده الشديد ، وبين وصفاً ولهم ، وهو أنهم يمنعون الماعون . تنبيه في هذه السورة ، وفي آية { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ } [ المؤمنون : 9 ] ، التي هي من صفات المؤمنين معادلة كبيرة . إحداهما : في المنافقين تاركي الصلاة أو مضيعيها . والأخرى في المؤمنين المحافظين عليها ، أي أن الصلاة هي المقياس والحد الفاصل . وعليه قوله صلى الله عليه وسلم : " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن ترك الصلاة فقد كفر " . أما أثر الصلاة في الإسلام ، وعلى الفرد والجماعة ، فهي أعظم من أن تذكر . وقد وجدنا بعض آثارها وهو المراءاة في العمل ، أي ازدواج الشخصية والانعزال في منع الماعون ، أي لا يمد يد العون ولو باليسير لمجتمعه الذي يعيش فيه ، وقد جاءت نصوص صريحة في مهمة الصلاة عاجله وآجله . ففي العاجل قوله تعالى : { إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ } [ العنكبوت : 45 ] ، ومن الفحشاء : دع اليتيم وعدم إطعام المسكين ، وفي الدرجة الأولى . ومنها : كل رذيلة . منكرة ، فهي إذن سياج يصونه عن كل رذيلة . وهي عون على كل شديدة ، كما قال تعالى : { وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلاَةِ } [ البقرة : 45 ] ، فجعلها قرينة الصبر في التغلب على الصعاب ، وهي في الآخرة نور ، كما قال تعالى : { يَوْمَ تَرَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم } [ الحديد : 12 ] ، الآية ، مع قوله صلى الله عليه وسلم : " إن أمتي يأتون يوم القيامة غراً محجلين من أثر الوضوء " . وقوله : { وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ } ، قيل : في الماعون الزكاة لقلتها ، والماعون : القليل ، والماعون : المال في لغة قريش . وقيل : هو ما يعين على أي عمل ، ومنه الدلو والفأس والإبرة والقدر . ونحو ذلك . وإذا كان السهو عن الصلاة يحمل على منع الماعون ، فإن من يمنع الماعون وهو الآلة أو الإناء يقضي به الحاجة ثم يرد ، كما هو بدون نقصان ، فلأن يمنع الصدقة أو الزكاة من باب أولى . ومن هنا : لم يكن المنافق ليزكي ماله ولا يتصدق على محتاج ، بل ولا يقرض آخر قرضاً حسناً . ولذا نجد تفشي الربا في المنافقين أشد وأكثر . وهنا يأتي مبحثان : الأول منهما : حكم الرياء وما حده ؟ والثاني : حكم العارية . أما الرياء : فقيل وهو مشتق من الرؤية ، والمراد به إظهار العبادة لقصد رؤية الناس لها فيحمد عليها ، وقد جاء في الحديث تسميته الشرك الخفي : " إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الخفي ، قالوا : وما الشرك الخفي يا رسول الله ؟ قال : الرياء ، فإنه أخفى في نفوسكم من دبيب النمل " . وجاء قوله تعالى : { فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَا } [ الكهف : 110 ] . وبيان الشرك فيه أنه يعمل العمل مما هو أصلاً لله ، كالصلاة أو الصدقة أو الحج ، ولكنه يظهره لقصد أن يحمده الناس عليه . فكأن هذا الجزء منه مشاركة مع الله ، حيث أصبح من عمله جزء لطلب الثناء من الناس عليه . وقد جاء حديث أبي هريرة عند مسلم : يقول الله تعالى : " أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، فمن عمل عملاً أشرك معي غيري تركته وشركه " . أما حكم الرياء في العمل ، ففي هذا النص دلالة على رد العمل على صاحبه ، وتركه له . فقيل : إنه يكون لا له فيه ، ولا عليه منه . فقيل : لا يخلو من ذم ، كما حذر الله تعالى منه بقوله : { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ } [ الأنفال : 47 ] . وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من راءى راءى الله به ، ومن سمع سمع الله به " رواه مسلم . والتسميع : هو العمل ليسمع الناس به كما في حديث الوليمة " في اليوم الأول والثاني والثالث سمعة . ومن سمّع سمّع به " . فالرياء مرجعه إلى الرؤية ، والتسميع مرجعه إلى السماع . ومعلوم أنها نزلت في قريش يوم بدر ، وقد أحبط الله عملهم ، وردهم على أعقابهم . وفي حديث أبي هريرة ، وقيل : إنه محبط للأعمال لمسمى الشرك لقوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } [ النساء : 48 ] . وأجيب : بأنه يحبط العمل الذي هو فيه فقط ، فإن راءى في الصلاة أحبطها ولا يتعدى إلى الصوم ، وإن راءى في صلاة نافلة لا يتعدى إحباطها إلى صلاة فريضة ، وهكذا ، قد يبدأ عملاً خالصاً لله ، ثم يطرأ عليه شبح الرياء ، فهل يسلم له عمله أو يحبطه ما طرأ عليه من الرياء ؟ فقالوا : إن كان خاطراً ودفعه عنه فلا يضره ، وإن استرسل معه . فقد رجح أحمد وابن جرير ، عدم بطلان العمل نظراً لسلامة القصد ابتداء . ودليلهم في ذلك : ما روى أبو داود في مراسيله عن عطاء الخراساني " أن رجلاً قال : يا رسول الله ، إن بني سلمة كلهم يقاتل ، فمنهم من يقاتل للدنيا ، ومنهم من يقاتل نجدة ، ومنهم من يقاتل ابتغاء وجه الله تعالى قال : " كلهم إذا كان أصل أمره ، أن تكون كلمة الله هي العليا " " . وذكر عن ابن جرير : أن هذا في العمل الذي يرتبط آخره بأوله ، كالصلاة والصيام . أما ما كان مثل القراءة والعلم . فإنه يلزمه تجديد النية الخالصة لله ، أي لأن كل جزء من القراءة ، وكل جزء من طلب العلم مستقل بنفسه ، فلا يرتبط بما قبله . وهناك مسألة : وهي أن العبد يعمل العمل لله خالصاً ، ثم يطلع عليه بعض الناس ، فيحسنون الثناء عليه فيعجبه ذلك . فلا خوف أنه ليس من الرياء في شيء لما جاء في حديث أبي ذر رضي الله عنه ، " أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يعمل من الخير يحمده الناس عليه ، فقال صلى الله عليه وسلم " عاجل بشرى المسلم " رواه مسلم . وقد ذكر بعض العلماء : أن من كان يعمل عملاً خفياً ، ثم حضر الناس فتركه من أجلهم خشية الرياء ، أنه يدخل في الرياء ، لأنه يضعف في نفسه أن يخلص النية لله ، وفي هذا بُعد ومشقة . أما منع الماعون وإعطاؤه ، وهو العارية كما تقدم . فإن مبحث العارية في ناحيتين : ما هي العارية ، والثاني : حكمها أواجب أم مباح ، وحكم ضمانها مضمونة أم لا ؟ أما تعريفها عند الفقهاء : هي إباحة الانتفاع بعين من أعيان المال ، مع بقاء عينه . وقولهم مع بقاء عينه : كالقدر والفأس والإبرة والمنخل ، ونحو ذلك ، بخلاف ما يكون إتلافه في استعماله ، كالشمع للإضاءة ، والزيت للدهن ، والكحل للاكتحال ، ونحو ذلك ، مما تنفذ عينه باستعماله ، فلا يكون عارية ، ولكن يكون قرضاً ، والقرض يكون معاوضته بمثله . أما حكم العارية . فقيل : جائز . وقيل : بل واجب . وقيل : مستحب . وحكى ابن قدامة الإجماع على استحبابها ، ودليل من قال بالوجوب بنص الآية : { وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ } [ الماعون : 7 ] ، ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه في حق الإبل لما ذكر الزكاة " وأن حقها إعارة دلوها ، وإطراق فحلها ، ومنحه لبنها ، يوم ورودها " . والواقع أن هذا الحديث ذكر فيه ما ليس بعارية قطعاً ، مثل طرق الفحل ومنح اللبن ، مما يضعف الاستدلال به . وقد ساق المجد في المنتقى برواية أحمد ولهم . أما الوعيد في الآية فقالوا : هو منصب على الصفات الثلاث : السهو عن الصلاة ، والرياء في العمل ، ومنع الماعون جميعاً ، ومن اتصف بواحدة فله قدره من الوعيد بحبسه . وأقل ما يقال فيها ما جاء في قوله تعالى : { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ } [ المائدة : 2 ] ، والحديث الصحيح في حق الزكاة ، " لما ذكر صلى الله عليه وسلم الذهب والفضة والإبل والبقر والخيل ، وقال : " ولا ينسى حق الله في ظهرها " . ثم سئل عن الحمر ، فقال : " لم أجد إلا الآية الشاذة الفاذة : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } [ الزلزلة : 7 ] " . وإعارة المتاع إباحة المنفعة وهي خير كثير . والحديث الآخر : " لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس " . ونقل الشوكاني عن الكشاف قولاً : أنها تكون واجبة عند الاضطرار ، وقبيح في غير الضرورة مروءة . اهـ . والضرورة : مثل الدلو إذا وردت الماء دلو معك ، وفي اضطرار إلى الماء . وقياس الفقهاء : أنه لو تلف شيء بسبب ذلك لضمن المانع . كما قالوا في الامتناع في بعض الصور : هل هو فعل أو ترك ؟ مثل من كان عنده خيط ، واحتيج إليه في خياطة جرح إنسان ، أو قطنة فمات ، فهل يعد ترك إعطاء الخيط مجرد ترك لا يؤاخذ عليه ، أو يعتبر فعلاً لأنه تسبب عنه موت إنسان . ومثله منع الدلو ليروي أو يسقي إبله أو يشرب هو ؟ والصحيح عندهم : أن الترك في مثل هذه الحالة يؤاخذ عليه مؤاخذة الفعل ، كما قال صاحب مراقي السعود . @ والترك فعل في صحيح المذهب @@ وهنا ما يشهد له الاستعمال العربي الصحيح ، كما قيل في بناء المسجد : @ لئن قعدنا والنَّبي يعمل لذاك منا العمل المضلل @@ فسمي القعود عن العمل عملاً مضللاً ، فتحصل من هذا أن العارية مستحبة شرعاً ومروءة وعرفاً في حالة الاختيار ، وواجبة في حالة الاضطرار ، مع ملاحظة أن حالات الاستعارة أغلبها اضطرار ، إلاَّ أن حالات الاضطرار تتفاوت ظروفها . وقد امتدح الله الأنصار بأنهم يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ، فالعارية من باب أولى ، لأنه ينتفع بها وترد لصاحبها . وقد امتدح الشاعر القوم بعدم منعهم الماعون ، بقوله : @ قوم على الإسلام ولما يمنعوا ماعونهم ويضيع التهليلا @@ وإن كان بعض الناس حمل الماعون هنا على الزكاة ، ولكن قول الشاعر : قوم على الإسلام ، يتضمن إخراجهم الزكاة ضمن إسلامهم ، فيكون الباقي امتداد حالهم في خصوص الماعون . بقي مبحث ضمانها : تختلف الأقوال في ضمان العارية ، فبعضهم يعتبرها أمانة ، وعليه فلا تكون مضمونة وهذا مذهب الحنفية والمالكية ، إذا لم يحصل منه تعد . وعند الشافعي وأحمد : أنها مضمونة ، إلا إذا كانت على الوجه المأذون فيه . كما قالوا في السيف : يستعيره فينكسر في القتال فلا ضمان فيه . واستدل من قال بضمانها بالحديث العام " على اليد ما أخذت ، حتى تؤديه " رواه المجد في المنتقى ، وقال : رواه الخمسة إلا النسائي . " وبحديث صفوان بن أمية ، أن النبيِّ صلى الله عليه وسلم استعار منه يوم حنين أذرعاً قيل ثلاثين ، وقيل ثمانين ، وقيل مائة . فقال : أغصباً يا محمد ؟ قال : " بل عارية مضمونة ، فقال : فضاع بعضها ، فعرض عليه النبيِّ صلى الله عليه وسلم أن يضمنها له ، فقال : أنا اليوم في الإسلام أرغب " رواه أحمد وأبو داود . ونص الفقهاء : أن ضمانها بقيمتها يوم تلفت أو بمثلها ، إن كانت مثيلة ، ويستدل له بما " جاء في قصعة حفصة لما ضربتها عائشة فسقطت على الأرض فانكسرت ، وانتثر الطعام ، فأخذ صلى الله عليه وسلم قصعة عائشة وردها إلى حفصة ، وقال : " قصعة بقصعة ، وطعام بطعام " أي أن الضمان إما بالمثل إن كان مثلياً ، أو بالقيمة إن كان مقوماً . وإذا كانت العارية مضمونة وحكمها الجواز ، فللمستعير طلب ردها متى شاء ، إلا إذا تعلقت بها مصلحة المستعير ، ولا يمكن ردها إلا بمضرة عليه . قالوا : كمن أعار سفينة وتوسط بها المستعير عرض البحر ، فلا يملك المعير ردها لتعذر ذلك وسط البحر . وقيل : له طلبها ، وتكون بالأجرة على المستعير ، والأول أرجح . وكالذي أعار أرضاً للزرع ، وقبل أن يستحصد الزرع يطلبها صاحبها ، هكذا . والله تعالى أعلم . حكم من جحد العارية إن حديث المرأة المخزومية مشهور ، وهو أنها كانت تستعير المتاع وتجحده ، فاشتهرت بذلك ، ثم إنها سرقت فقطعت في السرقة ، لا في جحد المتاع المستعار ، وهذا هو الأصح . لأن السرقة لا تكون إلا على وجه التخفي ومن حرز . والاستعارة خلاف ذلك ، وإنما تدخل في قوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَانَاتِ إِلَىۤ أَهْلِهَا } [ النساء : 58 ] . وقوله صلى الله عليه وسلم : " على اليد ما أخذت حتى تؤديه " . وحديث " أدّ الأمَانَة لمن ائتمنك ، ولا تخُن من خانَك " رواه أبو داود والترمذي ، وقال : حديث حسن . وهذا مجمل مباحث العارية ، وتفصيل فروعها في كتب الفقه أوجزنا منه ما يتعلق بمنع الماعون وعدم جواز منعه ، وما يتعلق ببذله ، وبالله تعالى التوفيق . تنبيه في هذه السورة بيان منهج علمي يلزم كل باحث ، وهو جمع أطراف النصوص وعدم الاقتصار على جزء منه ، وذلك في قوله تعالى : { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ } [ الماعون : 4 ] ، وهي أية مستقلة ، ولو أخذت وحدها لكانت وعيداً للمصلين . كما قال الشاعر الماجن في قوله : @ دع المساجد للعباد تسكنها وسر إلى خانة الخمار يسقينا ما قال ربك ويل للألى سكروا وإنما قال ويل للمصلينا @@ ولذا لا بد من ضميمة ما بعدها للتفسير والبيان ، الذين هم عن صلاتهم ساهون ، ثم فسر هذا التفسير أيضاً بقوله : { ٱلَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ } [ الماعون : 6 - 7 ] . ومثل هذه الآية من الحديث ، ما جاء عند ابن ماجه ما نصه بسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : " قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : " إن مسيرة المسجد تعطلت : فقال النبيِّ صلى الله عليه وسلم : من عمر مسيرة المسجد كتب له كفلان من الأجر " " . هذا الحديث وإن كان في الزوائد ، قال عنه : في إسناده ليث بن أبي سليم ضعيف ، إلا أنه نص فيما تمثل له لأن من اقتصر على جوابه صلى الله عليه وسلم اعتبر مسيرة المسجد أفضل ، ومن جمع طرفي الحديث عرف المقصود منه . ويتفرع على هذا ما أخذه مالك رحمه الله في باب الشهادة : أن الشخص لا يحق له أن يشهد على مجرد قول سمعه ، إلا إذا استشهدوه عليه ، وقالوا : أشهد عليه ، أو إلا إذا سمع الحديث من أوله مخافة أن يكون في أوله ما هو مرتبط بآخره ، كما لو قال المتكلم للآخر : لي عندك فرس ، ولك عندي مائة درهم ، فيسمع قوله : لك عندي مائة درهم ، ولم يسمع ما قبلها ، فإذا شهد على ما سمع كان إضراراً بالمشهود عليه ، وهذه السورة تدل لهذا المأخذ ، والله تعالى أعلم .