Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 111, Ayat: 1-1)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
التب : القطع . ومن المادة : بت بتقديم الباء ، فهي تدور على معنى القطع ، كما يفيده فقه اللغة في دوران المادة على معنى واحد . وقال : التب ، والتبب ، والتباب ، والتبيب ، والتتبيب ، النقص والخسار ، إلى أن قال : وتبت يداه : ضلتا وخسرتا . وقال الفخر الرازي : التبات : الهلاك ، ونظيره قوله تعالى : { وَمَا كَـيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ } [ غافر : 37 ] ، أي في هلاك . وذلك لأن أبا لهب أهلك نفسه بفساد اعتقاده وسوء فعاله ، كما جاء في السنة قول الأعرابي : هلكت وأهلكت : أي بوقاعه أهله في رمضان ، وجاء قوله تعالى : { فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ ٱلَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ لَّمَّا جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ } [ هود : 101 ] . فقالوا : غير خسران ، والخسران يؤدي إلى الهلاك ، والقطع . كما جاء في معناه في قصة صالح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام . قوله تعالى : { فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ ٱللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ } [ هود : 63 ] ، فظهر من هذا كله أن معنى : تبت يدا أبي لهب ، دائر بين معنى القطع والهلاك والخسران . أما قطعها فلم يقدر عليه قطع يديه قبل موته . وأما الهلاك والخسران : فقد هلك بالغدة . وأما الخسران : فما أشد خسرانه بعد هذا الحكم عليه من الله تعالى . وإذا كان المعنى قد تعين بنص القرآن في الهلاك والخسران ، فما معنى إسناد التب لليدين ؟ الجواب : أن ذلك من باب إطلاق البعض وإرادة الكل كما تقدم في قوله تعالى : { نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ } [ العلق : 16 ] ، مع أن الكاذب هو صاحبها . وقد قدمنا هناك أن مثل هذا الأسلوب لا بد فيه من زيادة اختصاص للجزء المنطوق في المعنى المراد . فلما كان الكذب يسوّد الوجه ويذل الناصية ، وعكسه الصدق يبيّض الوجه ويعر الناصية ، أسند هناك الكذب إلى الناصية لزيادة اختصاصها بالكذب عن اليد مثلاً . ولما كان الهلاك والخسران غالباً بما تكسبه الجوارح ، واليد أشد اختصاصاً في ذلك أسند إليها البت . ومما يدل على أن المراد صاحب اليدين ، ما جاء بعدها ، قوله تعالى : { وَتَبَّ } ، أي أبو لهب نفسه . وسواء كان قوله تعالى : { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } ، على سبيل الإخبار أو الإنشاء ، فإنه محتمل من حيث اللفظ . ولكن قوله تعالى بعده : { وَتَبَّ } ، فهو إخبار ، فيكون الأول للإنشاء كقوله : { قُتِلَ ٱلإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ } [ عبس : 17 ] . ثم جاء الثاني تصديقاً له ، وجاءت قراءة ابن مسعود { وَتَبَّ } .