Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 111, Ayat: 2-2)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

سواء كانت ما استفهامية فهو استفهام إبكار ، أو كانت نافية فإنه نص ، على أن ماله لم يغن عنه شيئاً . وقوله : { وَمَا كَسَبَ } . فقيل : أي من المال الأول ما ورثه أو ما كسب من عمل جرِّ عليه هذا الهلاك ، وهو عداؤه لرسول الله صلى الله عليه وسلم . ونظير هذه الآية المتقدمة { وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ } [ الليل : 11 ] . وتقدم الكلام عليه هناك . وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه بيان معنى { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } ، عند قوله تعالى : { مِّن وَرَآئِهِمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُواْ شَيْئاً وَلاَ مَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [ الجاثية : 10 ] . وساق كل النصوص في هذا المعنى بتمامها . تنبيه في هذه الآية سؤالان هما : أولاً : لقد كان صلى الله عليه وسلم مع قومه في مكة ملاطفاً حليماً ، فكيف جاء به عمه بهذا الدعاء : { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } ؟ والجواب : أنه كان يلاطفهم ما دام يطمع في إسلامهم ، فلما يئس من ذلك ، كان هذا الدعاء في محله ، كما وقع من إبراهيم عليه السلام ، كان يلاطف أباه { يٰأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَانَ } [ مريم : 44 ] ، { يٰأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَآءَنِي مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَٱتَّبِعْنِيۤ أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً } [ مريم : 43 ] ، فلما يئس منه تبرأ منه كما قال تعالى : { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ } [ التوبة : 114 ] . والسؤال الثاني : وهو مجيء قوله تعالى : { وَتَبَّ } ، بعد قوله : { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } ، مع أنها كافية سواء كانت إنشاء للدعاء عليه أو إخباراً بوقوع ذلك منه . والجواب ، والله تعالى أعلم ، أن الأول لما كان محتملاً الخبر ، وقد يمحو الله ما يشاء ويثبت ، أو إنشاء وقد لا ينفذ كقوله : { قُتِلَ ٱلإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ } [ عبس : 17 ] ، أو يحمل على الذم فقط ، والتقبيح فجاء " وتب " لبيان أنه واقع به لا محالة ، وأنه ممن حقت عليهم كلمات ربك لييأس صلى الله عليه وسلم ، والمسلمون من إسلامه . وتنقطع الملاطفة معه ، والله تعالى أعلم . وقد وقع ما أخبر الله به ، فهو إعجاز القرآن أن وقع ما أخبر به ، كما أخبر ولم يتخلف . { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً } [ الأنعام : 115 ] ، وقوله : { كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ فَسَقُوۤاْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } [ يونس : 33 ] . نسأل الله العافية ، إنه سميع مجيب .