Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 112, Ayat: 4-4)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقالوا : كفؤا وكفواً وكفاء ، بمعنى واحد ، وهو المثل . وقد تعددت أقوال المفسرين في معنى الآية ، وكلها تدور على معنى نفي المماثلة . فعن كعب وعطاء : لم يكن له مثل ولا عديل . وروى ابن جرير عن ابن عباس : أنه بمعنى ليس كمثله شيء . وعن مجاهد : أي لا صاحبة له . وقد جاء نفي الكفء والمثل والند والعدل ، فالكفء في هذه السورة والمثل في قوله : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [ الشورى : 11 ] ، وقوله : { فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ ٱلأَمْثَالَ } [ النحل : 74 ] . والند في قوله : { فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [ البقرة : 22 ] . والعدل في قوله : { ثْمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } [ الأنعام : 1 ] . وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه عند آية الأنعام بيان لذلك ، أي يساوونه بغيره من العدل بكسر أوله ، وهو أحد شقي حمل البعير على أحد التفسيرين ، والآخر من العدول عنه إلى غيره . وفي هذه السورة مبحثان يوردهما المفسرون . أحدهما : أسباب نزولها ، والآخر : ما جاء في فضلها ، ولم يكن من موضوع هذا الكتاب تتبع ذلك ، إلا ما كان له دوافع تتعلق بالمعنى . أما ما جاء في فضلها ، فقد قال أبو حيان في تفسيره : لقد أكثر المفسرون إيراد الآثار في ذلك ، وليس هذا محلها ، وهو كما قال ، فقد أوردها ابن كثير والفخر الرازي والقرطبي وابن حجر في الإصابة في ترجمة معاذ بن جبل وغيرهم ، وليس هذا محل إيرادها ، اللهم إلا ما جاء في الصحيح : أن تلاوتها تعدل ثلث القرآن لتعلق موضوعها بالتوحيد . أما المبحث الآخر وهو سبب نزولها ، فقيل فيه . إن المشركين طلبوا منه صلى الله عليه وسلم أن ينسب لهم ربه ، فنزلت . وقوله فيها { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } ، رد على إثبات النسب له سبحانه وتعالى . وقد جاء مثل هذا المعنى حينما سأل فرعون موسى عن ربه ، فقال له : { وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الشعراء : 23 ] . فجاء جوابه : { قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِيۤ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } [ الشعراء : 24 - 27 ] . وكنت سمعت من الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه ، أن موجب قول فرعون عن موسى لمجنون ، لأنه سأله بما في قوله : { قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الشعراء : 23 ] ، وما يسأل بها عن شرح الماهية فكان مقتضى السؤال بها أن يبين ماهية الرب سبحانه وتعالى ، من أي شيء هو ، كما يقال في جواب : ما الإنسان إنه حيوان ناطق . ولكن موسى عليه السلام أعرض عن سؤال فرعون لجهله عن حقيقة الله تعالى أو لتجاهله ، كما في قوله تعالى : { وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ } [ النمل : 14 ] ، وأجابه عما يخصه ويلزمه الاعتراف به من أنه سبحانه رب السماوات والأرض وما بينهما ، لا ربوبية فرعون الكاذبة . ومثل ذلك في القرآن ، لما سألوا عن الأهلة ، ما بالها تبدو صغيرة ، ثم تكبر ؟ فهو سؤال عن حقيقة تغيرها ، فترك القرآن جوابهم على سؤالهم وأجابهم بما يلزمهم وينفعهم . وكذلك جواب الخليل عليه السلام للنمرود حينما حاجَّه في ربه { إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ } [ البقرة : 258 ] . فذكره سبحانه بصفاته ، وفي هذه السورة لما سألوا عن حقيقة الله ونسبه جاء الجواب بصفاته ، لأن ما يسألون عنه إنما يكون في المخلوقات لا في الخالق سبحانه ، وفي الممكن لا في الواجب الوجود لذاته ، سبحان من لا يدرك كنهه غيره ، وصدق الله العظيم في قوله : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } [ الشورى : 11 ] ، { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } [ طه : 110 ] .