Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 112, Ayat: 3-3)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

تقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه ، بيان شواهده عند قوله تعالى : { ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ } [ الفرقان : 2 ] الآية من سورة الفرقان . تنبيه ففي اتخاذ الولد لا يستلزم نفي الولادة ، لأن اتخاذ الولد قد يكون بدون ولادة كالتبني أو غيره ، كما في قصة يوسف في قوله تعالى عن عزيز مصر : { أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَآ أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً } [ يوسف : 21 ] . ففي هذه السورة نفي أخص ، فلزم التنبيه عليه في هذه السورة الكريمة وهي سورة الإخلاص . والتي تعدل ثلث القرآن لاختصاصها بحق الله تعالى في ذاته وصفاته من الوحدانية والصمدية ، ونفي الولادة والولد ، ونفي الكفء ، وكلها صفات انفراد الله سبحانه . وقد جاء فيها النص الصريح بعدم الولادة ، وأنه سبحانه وتعالى لم يلد ولم يولد ، فهي أخص من تلك ، وهذا من المسلمات عن المسلمين جميعاً بدون شك ولا نزاع ولم يؤثر فيها أي خلاف . ولكن غير المسلمين لم يسلموا بذلك ، فاليهود قالوا : عزيز ابن الله ، والنصارى قالوا : المسيح ابن الله ، والمشركون قالوا : الملائكة بنات الله . فاتفقوا على ادعاء الولد لله ، ولم يدع أحد أنه سبحانه مولود . وقد جاءت النصوص الصريحة في نفي الولد عن الله سبحانه وتعالى ، إلا أن مجرد النص الذي لم يؤمن به الخصم لا يكفي لإقناعه ، وفي هذه السورة وهي المختصة بصفات الله ، لم يأت التنويه فيها عن المانع من اتخاذ الله للولد ، ومن كونه سبحانه لو يولد . ولما كان بيان المانع أو الموجب من منهج هذا الكتاب ، إذا كان يوجد للحكم موجب أو مانع ولم تتقدم الإشارة إلى ذلك ، فيما تقدم من كلام الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه مع أنه رحمه الله ، قد تكلم على آيات الأسماء والصفات جملة وتفصيلاً ، بما يكفي ويشفي . ولكن جاء في القرآن الكريم ذكر ادعاء الولد لله ، سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً . وجاء الرد من الله تعالى مع بيان المانع مفصلاً مع الإشعار بالدليل العقلي ، ولذا لزم التنويه عليه ، وذلك في قوله تعالى : { وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ بَدِيعُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [ البقرة : 116 - 117 ] . فهذا نص صريح فيما قالوه : { ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً } . ونص صريح في تنزيه الله سبحانه وتسبيحه عما قالوا . ثم جاء حرف الإضراب عن قولهم : { بَل لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ } [ البقرة : 116 ] ، ففيه بيان المانع عقلاً من اتخاذ الولد بما يلزم الخصم ، وذلك أن غاية اتخاذ الولد أن يكون باراً بوالده ، وأن ينتفع الوالد بولده . كما في قوله تعالى : { ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [ الكهف : 46 ] ، أو يكون الولد وارثاً لأبيه كما في قوله تعالى عن نبي الله تعالى زكريا عليه السلام : { فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ } [ مريم : 5 - 6 ] الآية . والله سبحانه وتعالى حي باق يرث ولا يورث كما قال تعالى : { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ } [ الرحمن : 26 - 27 ] الآية . وقوله : { وَللَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } [ آل عمران : 180 ] . فإذا كان لله سبحانه وتعالى كل ما في السماوات والأرض في قنوت وامتثال طوعاً أو كرهاً ، كما قال تعالى : { وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ آتِي ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً } [ مريم : 92 - 93 ] . فهو سبحانه وتعالى ليس في حاجة إلى الولد لغناه عنه . ثم بين سبحانه قدرته على الإيجاد والإبداع في قوله تعالى : { بَدِيعُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [ البقرة : 117 ] . وهذا واضح في نفي الولد عنه سبحانه وتعالى . وقد تمدح سبحانه في قوله : { وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي ٱلْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مَّنَ ٱلذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً } [ الإسراء : 111 ] . أما أنه لم يولد . فلم يدع أحد عليه ذلك . لأنه ممتنع عقلاً ، بدليل الممانعة المعروف وهو كالآتي : لو توقف وجوده سبحانه على أن يولد لكان في وجوده محتاجاً إلى من يوجده ، ثم يكون من يلده في حاجة إلى والد ، وهكذا يأتي الدور والتسلسل وهذا باطل . وكذلك فإن الحاجة إلى الولد بنفيها معنى الصمدية المتقدم ذكره ، ولو كان له والد لكان الوالد أسبق وأحق ، تعالى الله عن ذلك . وقد يقال : من جانب الممانعة العقلية لو افترض على حد قوله : { قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ } [ الزخرف : 81 ] . فنقول على هذا الافتراض : لو كان له ولد فما مبدأ وجود هذا الولد وما مصيره ؟ فإن كان حادثاً فمتى حدوثه ؟ وإن كان قديماً تعدد القدم ، وهذا ممنوع . ثم إن كان باقياً تعدد البقاء ، وإن كان منتهياً فمتى انتهاؤه ؟ وإذا كان مآله إلى الانتهاء فما الحاجة إلى إيجاده مع عدم الحاجة إليه ، فانتفى اتخاذ الولد عقلاً ونقلاً ، كما انتفت الولادة كذلك عقلاً ونقلاً . وقد أورد بعض المفسرين سؤالاً في هذه الآية ، وهو لماذا قدم نفي الولد على نفي الولادة ؟ مع أن الأصل في المشاهد أن يولد ثم يلد ؟ وأجاب بأنه من تقديم الأهم لأنه رد على النصارى في قولهم : عيسى ابن الله ، وعلى اليهود في قولهم : عزير ابن الله ، وعلى قول المشركين : الملائكة بنات الله ، ولأنه لم يدع أحد أنه سبحانه مولود لأحد ، فكانت دعواهم الولد لله فرية عظمى . اهـ . كما قال تعالى : { كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً } [ الكهف : 5 ] . وقوله : { وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً تَكَادُ ٱلسَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً } [ مريم : 88 - 91 ] . فلشفاعة هذه الفرية قدم ذكرها ، ثم الرد على عدم إمكانها بقوله : { وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ آتِي ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً } [ مريم : 92 - 93 ] . وقد قدمنا دليل المنع عقلاً ونقلاً . وهنا سؤال أيضاً ، وهو إذا كان ادعاء الولد قد وقع ، وجاء الرد عليه : فإن ادعاء الولادة لم يقع ، فلماذا ذكر نفيه مع عدم ادعائه ؟ والجواب والله تعالى أعلم : أن من جوّر الولادة له وأن يكون له ولد ، فقد يجوز الولادة عليه ، وأن يكون مولوداً فجاء نفيها تتمة للنفي والتنزيه ، كما في حديث البحر ، كان السؤال عن الوضوء من مائة فقط ، فجاء الجواب عن مائه وميتته ، لأن ما احتمل السؤال في مائه يحتمل الاشتباه في ميتته . والله تعالى أعلم .