Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 90-90)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
في المراد بالمقتسمين أقوال للعلماء معروفة ، وكل واحد منها يشهد له قرآن . إلا أن في الآية الكريمة قرينة تضعف بعض تلك الأقوال الأول - أن المراد بالمقتسمين الذين يحلفون على تكذيب الرسل ومخالفتهم ، وعلى هذا القول فالاقتسام افتعال من القسم بمعنى اليمين ، وهو بمعنى التقاسم . ومن الآيات التي ترشد لهذا الوجه قوله تعالى عن قوم صالح { قَالُواْ تَقَاسَمُواْ بِٱللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ } النمل 49 الآية . أي نقتلهم ليلاً ، وقوله { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ } النحل 38 ، وقوله { أَوَلَمْ تَكُونُوۤاْ أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ } إبراهيم 44 ، وقوله { أَهَـۤؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ ٱللَّهُ بِرَحْمَةٍ } الأعراف 49 إلى غير ذلك من الآيات . فكأنهم كانوا لا يكذبون بشيء إلا أقسموا عليه . فسموا مقتسمين . القول الثاني - أن المراد بالمقتسمين اليهود والنصارى . وإنما وصفوا بأنهم مقتسمون لأنهم اقتسموا كتبهم فآمنوا ببعضها وكفروا ببعضها . ويدل لهذا القول قوله تعالى { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ ٱلْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } البقرة 23 الاية ، وقوله { وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ } النساء 150 الآية . القول الثالث - أن المراد بالمقتسمين جماعة من كفار مكة اقتسموا القرآن بأقوالهم الكاذبة ، فقال بعضهم هو شعر . وقال بعضهم هو سحر . وقال بعضهم كهانة . وقال بعضهم أساطير الأولين وقال بعضهم اختلقه محمد ، صلى الله عليه وسلم . وهذا القول تدل له الآيات الدالة على أنهم قالوا في القرآن تلك الأقوال المفتراة الكاذبة ، كقوله تعالى { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } الحاقة 41 - 42 ، وقوله { فَقَالَ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ } المدثر 24 ، وقوله { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ ٱخْتِلاَقٌ } ص 7 ، وقوله { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } النحل 24 ، وقوله { وَقَالُوۤاْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ ٱكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } الفرقان 5 إلى غير ذلك من الآيات . والقرينة في الآية الكريمة تؤيد هذا القول الثالث ولا تنافي الثاني بخلاف الأول . لأن قوله { ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلْقُرْآنَ عِضِينَ } الحجر 91 أظهر في القول الثالث ، لجعلهم له أعضاء متفرقة بحسب اختلاف أقوالهم الكاذبة ، كقولهم شعر ، سحر ، كهانة الخ . وعلى أنهم أهل الكتاب - فالمراد بالقرآن كتبهم التي جزؤوها فآمنوا ببعضها وكفروا ببعضها ، أو القرآن لأنهم آمنوا بما وافق هواهم منه وكفروا بغيره . وقوله { عضين } جمع عضة ، وهو العضو من الشيء ، أي جعلوه أعضاء متفرقة . واللام المحذوفة أصلها واو . قال بعض العلماء اللام المحذوفة أصلها هاء ، وعليه فأصل العضة عضهة ، والعضه السحر . فعلى هذا القول - فالمعنى جعلوا القرآن سحراً . كقوله { إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ } المدثر24 ، وقوله { قَالُواْ سِحْرَانِ تَظَاهَرَا } القصص 48 إلى غير ذلك من الآيات . والعرب تسمي الساحر عاضها ، والساحرة عاضهة . والسحر عضها . ويقال إن ذلك لغة قريش . ومنه قول الشاعر @ أعوذ بربي من النافثا ت في عقد العاضه المعضه @@ تنبيه فإن قيل بم تتعلق الكاف في قوله { كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى ٱلْمُقْتَسِمِينَ } الحجر90 ؟ فالجواب - ما ذكره الزمخشري في كشافه قال فإن قلت بم تعلق قوله { كما أنزلنا } قلت فيه وجهان احدهما - أن يتعلق بقوله { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ } الحجر 87 أي أنزلنا عليك مثل ما أنزلنا على أهل الكتاب ، وهم المقتسمون الذين جعلوا القرآن عضين ، حيث قالوا بعنادهم وعدوانهم بعضه حق موافق للتوراة والإنجيل ، وبعضه باطل مخالف لهما ، فاقتسموه إلى حق وباطل وعضوه . وقيل كانوا يستهزؤون به فيقول بعضهم " سورة البقرة " لي ، ويقول الآخر " سورة آل عمران " لي إلى أن قال الوجه الثاني - أن يتعلق بقوله { وَقُلْ إِنِّيۤ أَنَا ٱلنَّذِيرُ ٱلْمُبِينُ } الحجر 89 أي وأنذر قريشاً مثل ما أنزلناه من العذاب على المقتسمين يعني اليهود وهو ما جرى على قريظة والنضير . جعل المتوقع بمنزلة الواقع وهو من الإعجاز ، لأنه إخبار بما سيكون ، وقد كان انتهى محل الغرض من كلام صاحب الكشاف . ونقل كلامه بتمامه أبو حيان في " البحر المحيط " ثم قال أبو حيان أما الوجه الأول وهو تعلق { كما } ب { آتيناك } فذكره أبو البقاء على تقدير ، وهو أن يكون في موضع نصب نعتاً لمصدر محذوف تقديره آتيناك سبعاً من المثاني إيتاء كما أنزلنا ، أو إنزالاً كما أنزلنا . لأن " آتيناك " بمعنى أنزلنا عليك .