Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 15, Ayat: 94-94)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى { فَٱصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ } . أي فاجهر به وأظهره . من قولهم صدع بالحجة إذا تكلم بها جهاراً ، كقولك صرح بها . وهذه الآية الكريمة أمر الله فيها نبيه صلى الله عليه وسلم بتبليغ ما أمر به علناً في غير خفاء ولا مواربة . وأوضح هذا المعنى في مواضع كثيرة ، كقوله { يَـۤأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } المائدة 67 الآية . وقد شهد له تعالى بأنه امتثل ذلك الأمر فبلغ على أكمل وجه في مواضع آخر . كقوله { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } المائدة 3 ، وقوله { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ } الذاريات 54 إلى غير ذلك من الآيات . تنبيه قوله { فَٱصْدَعْ } قال بعض العلماء أصله من الصدع بمعنى الإظهار ، ومنه قولهم انصدع الصبح انشق عنه الليل . والصديع الفجر لانصداعه ، ومنه قول عمروبن معد يكرب @ ترى السرحان مفترشاً يديه كأن بياض لبته صديع @@ أي فجر والمعنى على هذا القول أظهر ما تؤمر به وبلغه علناً على رؤوس الأشهاد وتقول العرب صدعت الشيء أظهرته . ومنه قول أبي ذؤيب @ وكأنهن ربابة وكأنه يسر يفيض على القداح ويصدع @@ قاله صاحب اللسان . وقال بعض العلماء أصله من الصدع بمعنى التفريق والشق في الشيء الصلب كالزجاج والحائط . ومنه بمعنى التفريق قوله تعالى { مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } الروم 43 أي يتفرقون فريق في الجنة وفريق في السعير . بدليل قوله تعالى { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ } الروم 14 ومنه قول غيلان ذي الرمة @ عشية قلبي في المقيم صديعه وراح جناب الظاعنين صديع @@ يعني أن قلبه افترق إلى جزءين جزء في المقيم ، وجزء في الطاعنين . وعلى هذا القول - { فَٱصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ } أي فرق بين الحق والباطل بما أمرك الله بتبليغه . وقوله { بِمَا تُؤْمَرُ } يحتمل أن تكون " ما " موصوله . ويحتمل أن تكون مصدرية ، بناء على جواز سبك المصدر من أن والفعل المبني للمفعول ، ومنع ذلك جماعة من علماء العربية . قال أبو حيان في البحر والصحيح أن ذلك لا يجوز . قوله تعالى { وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ } . في هذه الآية الكريمة قولان معروفان للعلماء أحدهما - أن معنى { وأعرض عن المشركين } أي لا تبال بتكذيبهم واستهزائهم ، ولا يصعب عليك ذلك . فالله حافظك منهم . والآية على هذا التأويل معناها فاصدع بما تؤمر - أي بلغ رسالة ربك ، وأعرض عن المشركين ، أي لا تبال بهم ولا تخشهم . وهذا المعنى كقوله تعالى { يَـۤأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } المائدة 67 . الوجه الثاني - وهو الظاهر في معنى الآية - أنه كان في أول الأمر مأموراً بالإعراض عن المشركين ، ثم نسخ ذلك بآيات السيف . ومن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى { ٱتَّبِعْ مَآ أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ } الأنعام 106 ، وقوله { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَٱنتَظِرْ إِنَّهُمْ مُّنتَظِرُونَ } السجدة 30 ، وقوله { فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } النجم 29 وقوله { وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ } الأحزاب 48 إلى غير ذلك من الآيات .