Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 126-127)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

نزلت هذه الآية الكريمة من سورة النحل بالمدينة ، في تمثيل المشركين بحمزة ومن قتل معه يوم أحد . فقال المسلمون لئن أظفرنا الله بهم لنمثلن بهم . فنزلت الآية الكريمة ، فصبروا لقول تعالى { لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ } مع أن سورة النحل مكية ، إلا أن هذه الآيات الثلاث من آخرها . والآية فيها جواز الانتقام والإرشاد إلى أفضلية العفو . وقد ذكر تعالى هذا المعنى في القرآن . كقوله { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ } الشورى 40 الآية ، وقوله { وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ } المائدة 45 الآية ، وقوله { وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ } الشورى 41 إلى قوله { وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } الشورى 43 ، وقوله { لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوۤءِ مِنَ ٱلْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ } النساء 148 إلى قوله { أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوۤءٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً } النساء 149 كما قدمنا . مسائل بهذه الآية الكريمة المسألة الأولى - يؤخذ من هذه الآية حكم مسألة الظفر ، وهي أنك إن ظلمك إنسان بأن أخذ شيئاً من مالك بغير الوجه الشرعي ولم يمكن لك إثباته ، وقدرت له على مثل ما ظلمك به على وجه تأمن معه الفضيحة والعقوبة . فهل لك أن تأخذ قدر حقك أو لا ؟ أصح القولين ، وأجراهما على ظواهر النصوص وعلى القياس أن لك أن تأخذ قدر حقك من غير زيادة . لقوله تعالى في هذه الآية { فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } الآية ، وقوله { فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ } البقرة 194 . وممن قال بهذا القول ابن سرين وإبراهيم النخعي ، وسفيان ومجاهد ، وغيرهم . وقالت طائفة من العلماء منهم مالك لا يجوز ذلك . وعليه خليل بن إسحاق المالكي في مختصره بقوله في الوديعة وليس له الأخذ منها لمن ظلمه بمثلها . واحتج من قال بهذا القول بحديث " أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك . ولا تخن من خانك " اهـ . وهذا الحديث على فرض صحته لا ينهض الاستدلال به . لأن من أخذ قدر حقه ولم يزد عليه لم يخن من خانه ، وإنما أنصف نفسه ممن ظلمه . المسألة الثانية - أخذ بعض العلماء من هذه الآية الكريمة المماثلة في القصاص . فمن قتل بحديدة قتل بها ، ومن قتل بحجر قتل به . ويؤيده " رضه صلى الله عليه وسلم رأس يهودي بين حجرين قصاصاً لجارية فعل بها مثل ذلك " . وهذا قول أكثر أهل العلم خلافاً لأبي حنيفة ومن وافقه ، زاعماً أن القتل بغير المحدد شبه عمد ، لا عمد صريح حتى يجب فيه القصاص . وسيأتي لهذا إن شاء الله تعالى زيادة إيضاح في سورة الإسراء . المسألة الثالثة أطلق جل وعلا في هذه الآية الكريمة اسم العقوبة على الجناية الأولى في قوله { بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } والجناية الأولى ليست عقوبة . لأن القرآن بلسان عربي مبين . ومن أساليب اللغة العربية المشاكلة بين الألفاظ . فيؤدي لفظ بغير معناه الموضوع له مشاكلة للفظ آخر مقترن به في الكلام . كقول الشاعر @ قالوا اقترح شيئاَ نجد لك طبخه قلت اطبخوا لي جبةً وقميصا @@ أي خيطوا لي . وقال بعض العلماء ومنه قول جرير @ هذي الأرامل قد قضيت حاجتها فمن لحاجة هذا الأرمل الذَّكر @@ بناء على القول بأن الأرامل لا تطلق في اللغة إلا على الإناث . ونظير الآية الكريمة في إطلاق إحدى العقوبتين على ابتداء الفعل مشاكلة للفظ الآخر - قوله تعالى { ذٰلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ } الحج 60 الآية ، ونحوه أيضاً . قوله { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } الشورى 40 مع أن القصاص ليس بسيئة وقوله { فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ } البقرة 194 الآية . لأن القصاص من المعتدي أيضاً ليس باعتداء كما هو ظاهر ، وإنما أدى بغير لفظه للمشاكلة بين اللفظين قوله تعالى { وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ } الآية . ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه صلى الله عليه وسلم مأمور بالصبر ، وأنه لا يمتثل ذلك الأمر بالصبر إلا بإعانة الله وتوفيقه . لقوله { وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ } وأشار لهذا المعنى في غير هذا الموضع . كقوله { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } فصلت 35 ، لأن قوله { وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } الآية ، معناه أن خصلة الصبر لا يلقاها إلا من كان له عند الله الحظ الأكبر والنصيب الأوفر ، بفضل الله عليه ، وتيسير ذلك له .