Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 32-32)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن المتقين الذين كانوا يمتثلون أوامر ربهم ، ويجتنبون نواهيه تتوفاهم الملائكة أي يقبضون أرواحهم في حال كونهم طيبين أي طاهرين من الشرك والمعاصي - على أصح التفسيرات - ويبشرونهم بالجنة ، ويسلمون عليهم . وبين هذا المعنى أيضاً في غير هذا الموضع . كقوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } فصلت 30 ، وقوله { وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ طِبْتُمْ فَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ } الزمر 73 ، وقوله { وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } الرعد 23 - 24 . والبشارة عند الموت ، وعند دخول الجنة من باب واحد . لأنها بشارة بالخير بعد الانتقال إلى الآخرة . ويفهم من صفات هؤلاء الذين تتوفاهم الملائكة طيبين ويقولون لهم سلام عليكم ادخلوا الجنة - أن الذين لم يتصفوا بالتقوى لم تتوفهم الملائكة على تلك الحال الكريمة ، ولم تسلم عليهم ، ولم تبشرهم . وقد بين تعالى هذا المفهوم في مواضع أخر . كقوله { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ ٱلسَّلَمَ } النحل 28 الآية ، وقوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ } النساء 97 - إلى قوله - { وَسَآءَتْ مَصِيراً } النساء 97 ، وقوله { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ } الأنفال 50 الآية ، إلى غير ذلك من الآيات . وقوله { تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ } النحل 28 ، وقوله { تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ طَيِّبِينَ } قرأهما عامة القراء غير حمزة " تتوفاهم " بتاءين فوقيتين . وقرأ حمزة " يتوفاهم " بالياء في الموضعين . تنبيه أسند هنا جل وعلا التوفي للملائكة في قوله { تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ } وأسنده في " السجدة " لملك الموت في قوله { قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ } السجدة 11 ، وأسنده في " الزمر " إلى نفسه جل وعلا في قوله { ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مِوْتِـهَا } الزمر 42 الآية . وقد بينا في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب في سورة " السجدة " أنه لا معارضة بين الآيات المذكورة . فإسناده التوفي لنفسه ، لأنه لا يموت أحد إلا بمشيئته تعالى ، كما قال { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً } آل عمران 145 ، وأسنده لملك الموت ، لأنه هو المأمور بقبض الأرواح ، وأسنده إلى الملائكة لأن لملك الموت أعواناً من الملائكة ينزعون الروح من الجسد إلى الحلقوم فيأخذها ملك الموت ، كما قاله بعض العلماء . والعلم عند الله تعالى .