Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 36-36)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّاغُوتَ } . ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه بعث في كل أمة رسولاً بعبادة الله وحده ، واجتناب عبادة ما سواه . وهذا هو معنى " لا إله إلا الله " ، لأنها مركبة من نفي وإثبات ، فنفيها هو خلع جميع المعبودات غير الله تعالى في جميع أنواع العبادات ، وإثباتها هو إفراده جل وعلا بجميع أنواع العبادات بإخلاص ، على الوجه الذي شرعه على ألسنة رسله عليهم صلوات الله وسلامه . وأوضح هذا المعنى كثيراً في القرآن عن طريق العموم والخصوص . فمن النصوص الدالة عليه مع عمومها قاله تعالى { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِيۤ إِلَيْهِ أَنَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱعْبُدُونِ } الأنبياء 25 ، وقوله { وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ } الزخرف 45 ، ونحو ذلك من الآيات . ومن النصوص الدالة عليه مع الخصوص في إفراد الأنبياء وأممهم قوله تعالى { لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } الأعراف 59 ، وقوله تعالى { وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } الأعراف 65 ، وقوله { وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } الأعراف 73 ، وقوله { وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُه } الأعراف 85 ، إلى غير ذلك من الآيات . واعلم أن كل ما عبد من دون الله ، فهو طاغوت . ولا تنفع عبادة الله إلا بشرط اجتناب عبادة ما سواه . كما بينه تعالى بقوله { فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ } البقرة 256 ، وقوله { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِٱللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ } يوسف 106 ، إلى غير ذلك من الآيات . قوله تعالى { فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى ٱللَّهُ وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ ٱلضَّلالَةُ } . ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن الأمم التي بعث فيها الرسل بالتوحيد منهم سعيد ، ومنهم شقي . فالسعيد منهم يهديه الله إلى اتباع ما جاءت به الرسل ، والشقي منهم يسبق عليه الكتاب فيكذب الرسل ، ويكفر بما جاؤوا به . فالدعوة إلى دين الحق عامة ، والتوفيق للهدى خاص . كما قال تعالى { وَٱللَّهُ يَدْعُوۤ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } يونس 25 . فقوله { فَمِنْهُم } أي من الأمم المذكورة في قوله { فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً } ، وقوله { مَّنْ هَدَى ٱللَّهُ } أي وفقه لاتباع ما جاءت به الرسل . والضمير المنصوب الذي هو رابط الصلة بالموصول محذوف . أي فمنهم من هداه الله . على حد قوله في الخلاصة @ والحذف عندهم كثير منجلي في عائد متصل إن انتصب @@ بفعل أو وصف كمن نرجو يهب وقوله { وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ ٱلضَّلالَةُ } أي وجبت عليه ولزمته . لما سبق في علم الله من أنه يصير إلى الشقاوة . والمراد بالضلالة الذهاب عن طريق الإسلام إلى الكفر . وقد بين تعالى هذا المعنى في آيات أخر . كقوله { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } التغابن 2 ، { فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ } هود 105 ، وقوله { فَرِيقٌ فِي ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي ٱلسَّعِيرِ } الشورى 7 ، إلى غير ذلك من الآيات .