Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 71-71)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أظهر التفسيرات في هذه الآية الكريمة أن الله ضرب فيها مثلاً للكفار ، بأنه فضل بعض الناس على بعض في الرزق ، ومن ذلك تفضيله المالكين على المملوكين في الرزق ، وأن المالكين لا يرضون لأنفسهم أن يكون المملوكون شركاءهم فيما رزقهم الله من الأموال والنساء وجميع نعم الله . ومع هذا يجعلون الأصنام شركاء لله في حقه على خلقه ، الذي هو إخلاص العبادة له وحده ، أي إذا كنتم لا ترضون بإشراك عبيدكم معكم في أموالكم ونسائكم - فكيف تشركون عبيدي معي في سلطاني ! . ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى { ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَآءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ } الروم 28 الآية . ويؤيده أن " ما " في وقوله { فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } نافيه . أي ليسوا برادي رزقهم عليهم حتى يسووهم مع أنفسهم اهـ . فإذا كانوا يكرهون هذا لأنفسهم - فكيف يشركون الأوثان مع الله في عبادته ! مع اعترافهم بأنها ملكه ، كما كانوا يقولون في تلبيتهم لبيك لا شريك لك ، إلا شريكاً هو لك ، تملكه وما ملك . وهذا الآية الكريمة نص صريح في إبطال مذهب الاشتراكية القائل بأنه لا يكون أحد أفضل من أحد في الرزق ، ولله في تفضيل بعضهم على بعض في الرزق حكمة . قال تعالى { نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً } الزخرف 32 الآية ، وقال { ٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَنْ يَشَآءُ وَيَقَدِرُ } الرعد 26 ، وقال { عَلَى ٱلْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى ٱلْمُقْتِرِ قَدْرُهُ } البقرة 236 إلى غير ذلك من الآيات . وفي معنى هذا الآية الكريمة قولان آخران أحدهما - أن معناها أنه جعلكم متفاوتين في الرزق . فرزقكم أفضل مما رزق مماليككم وهو بشر مثلكم وإخوانكم . فكان ينبغي أن تردوا فضل ما رزقتموه عليهم ، حتى تساووا في الملبس والمطعم . كما " ثبت عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر مالكي العبيد " أن يطعموهم مما يطعمون ، ويكسوهم مما يلبسون " وعلى هذا القول فقوله تعالى { فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } لوم لهم ، وتقريع على ذلك . القول الثاني - أن معنى الآية - أنه جلَّ وعلا هو رازق المالكين والمملوكين جميعاً . فهم في رزقه سواء ، فلا يحسبن المالكون أنهم يريدون على مما ليكهم شيئاً من الرزق ، فإنما ذلك رزق الله يجريه لهم على أيديهم . والقول الأول هو الأظهر وعليه جمهور العلماء ، ويدل له القرآن كما بينا . والعلم عند الله تعالى . وقوله { أَفَبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ يَجْحَدُون } إنكار من الله عليهم جحودهم بنعمته . لأن الكافر يستعمل نعم الله في معصية الله ، فيستعين بكل ما أنعم به عليه على معصيته ، فإنه يرزقهم ويعافيهم ، وهم يعبدون غيره . وجحد تتعدى بالباء في اللغة العربية . كقوله { وَجَحَدُواْ بِهَا } النمل 14 الآية ، وقوله { فَٱلْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هَـٰذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ } الأعراف 51 والجحود بالنعمة هو كفرانها .