Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 84-84)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى { ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ } . لم يبين تعالى في هذه الآية الكريمة متعلق الإذن في قوله { لاَ يُؤْذَنُ } ولكنه بين في المرسلات أن متعلق الإذن الاعتذار . أي لا يؤذن لهم في الاعتذار ، لأنهم ليس لهم عذر يصح قبوله ، وذلك في قوله { هَـٰذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } المرسلات 35 - 36 . فإن قيل ما وجه الجمع بين نفي اعتذارهم المذكور هنا ، وبين ما جاء في القرآن من اعتذارهم . كقوله تعالى عنهم { وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } الأنعام 23 ، وقوله { مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوۤءٍ } النحل 28 ، وقوله { بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئاً } غافر 74 ، ونحو ذلك من الآيات . فالجواب - من أوجه منها - أنهم يعتذرون حتى إذا قيل لهم اخسؤوا فيها ولا تكلمون ، انقطع نطقهم ولم يبق إلا الزفير والشهيق . كما قال تعالى { وَوَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيهِم بِمَا ظَلَمُواْ فَهُمْ لاَ يَنطِقُونَ } النمل 85 . ومنها - أن نفي اعتذارهم يراد به اعتذار فيه فائدة . أما الاعتذار الذي لا فائدة فيه فهو كالعدم ، يصدق عليه في لغة العرب أنه ليس بشيء ، ولذا صرح تعالى بأن المنافقين بكم في قوله { صُمٌّ بُكْمٌ } البقرة 18 مع قوله عنهم { وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ } المنافقون 4 أي لفصاحتهم وحلاوة ألسنتهم . وقال عنهم أيضاً { فَإِذَا ذَهَبَ ٱلْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ } الأحزاب 19 فهذا الذي ذكره جل و علا من فصاحتهم وحدة ألسنتهم ، مع تصريحه بأنهم بكم - يدل على أن الكلام الذي لا فائدة فيه كلا شيء ، كما هو واضح . وقال هبيرة بن أبي وهب المخزومي @ وإن كلام المرء في غير كنهه لكالنبل تهوي ليس فيها نصالها @@ وقد بينا هذا في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب في مواضع منه . والترتيب بـ " ثمَّ " في قوله في هذه الآية الكريمة { لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ } على قوله { وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً } لأجل الدلالة على أن ابتلاءهم بالمنع من الاعتذار المشعر بالإقناط الكلي أشد من ابتلائهم بشهادة الأنبياء عليهم بكفرهم . قوله تعالى { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } . اعلم أولاً - أن استعتب تستعمل في اللغة بمعنى طلب العتبى . أي الرجوع إلى ما يرضي العاتب ويسره . وتستعمل أيضاً في اللغة بمعنى أعتب إذا أعطى العتبى . أي رجع إلى ما يحب العاتب ويرضى ، فإذا علمت ذلك - فاعلم أن في قوله { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } وجهين من التفسير متقاربي المعنى . قال بعض أهل العلم { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } أي لا تطلب منهم العتبى ، بمعنى لا يكلفون أن يرضوا ربهم ، لأن الآخرة ليست بدار تكليف ، فلا يردون إلى الدنيا ليتوبوا . وقال بعض العلماء { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } أي يعتبون ، بمعنى يزال عنهم العتب ، ويعطون العتبى وهي الرضا . لأن الله لا يرضى عن القوم الكافرين . وهذا المعنى كقوله تعالى في قراءة الجمهور { وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ ٱلْمُعْتَبِينَ } فصلت 24 أي وإن يطلبوا العتبى - وهي الرضا عنهم لشدة جزعهم - فما هم من المعتبين . بصيغة اس المفعول أي المعطين العتبى وهي الرضا عنهم . لأن العرب تقول أعتبه إذا رجع إلى ما يرضيه ويسره ، ومنه قول أبي ذؤيب الهذلي @ أمن المنون وريبه تتوجع والدهر ليس بمعتب من يجزع @@ أي لا يرجع الدهر إلى مسرة من جزع ورضاه . وقول النابغة @ فإن كنت مظلوماً فعبد ظلمته وإن كنت ذا عتبى فمثلك يعتب @@ وأما قول بشر بن أبي خازم @ غضبت تميم أن تقتل عامر يوم النسار فأعتبوا بالصيلم @@ يعني أعتبناهم بالسيف ، أي أرضيناهم بالقتل . فهو من قبيل التهكم ، كقول عمرو بن معدي كرب @ وخيل قد دلفت لها بخيل تحية بينهم ضرب وجيع @@ لأن القتل ليس بإرضاء ، والضرب الوجيع ليس بتحية . وأما على قراءة من قرأ { وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ } فصلت 24 بالبناء للمفعول { فَمَا هُم مِّنَ ٱلْمُعْتَبِينَ } فصلت 24 بصيغة اسم الفاعل ، فالمعنى أنهم لو طلبت منهم العتبى وردوا إلى الدنيا ليعملوا بطاعة الله وطاعة رسله ، فما هم من المعتبين أي الراجعين إلى ما يرضي ربهم ، بل يرجعون إلى كفرهم الذي كانوا عليه أولاً ، وهذه القراءة كقوله تعالى { وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } الأنعام 28 .