Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 90-90)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه يأمر خلقه بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى . وأنه ينهاهم عن الفحشاء والمنكر والبغي . لأجل أن يتَّعظوا بأوامره ونواهيه ، فيمتثلوا أمره ، ويجتنبوا نهيه . وحذف مفعول " يأمر " ، " وينهى " لقصد التعميم . ومن الآيات التي أمر فيها بالعدل قوله تعالى { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىۤ أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ } المائدة 8 ، وقوله { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَانَاتِ إِلَىۤ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ } النساء 58 . ومن الآيات التي أمر فيها بالإحسان قوله تعالى { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } البقرة 195 ، وقوله { وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } البقرة 83 ، وقوله { وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِي ٱلأَرْضِ } القصص 77 ، وقوله { وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً } البقرة 83 وقوله { مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ } التوبة 91 . ومن الآيات التي أمر فيها بإيتاء ذي القربي قوله تعالى { فَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } الروم 38 ، وقوله { وَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً } الإسراء 26 وقوله { وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ } البقرة 177 الآية ، وقوله { أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ } البلد 14 - 15 ، إلى غير ذلك من الآيات . ومن الآيات التي نهى فيها عن الفحشاء والمنكر والبغي قوله { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } الأنعام 151 الآية ، وقوله { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلإِثْمَ وَٱلْبَغْيَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } الأعراف 33 الآية ، وقوله { وَذَرُواْ ظَاهِرَ ٱلإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْسِبُونَ ٱلإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ } الأنعام 120 والمنكر وإن لم يصرح باسمه في هذه الآيات ، فهو داخل فيها . ومن الآيات التي جمع فيها بين الأمر بالعدل والتفضل بالإحسان قوله { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } النحل 126 فهذا عدل ، ثم دعا إلى الإحسان بقوله { وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ } النحل 126 وقوله { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } الشورى 40 فهذا عدل . ثم دعا إلى الإحسان بقوله { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ } الشورى 40 . وقوله { وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ } المائدة 45 فهذا عدل . ثم دعا إلى الإحسان بقوله { فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ } المائدة 45 ، وقوله { وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ } الشورى 41 الآية ، فهذا عدل . ثم دعا إلى الإحسان بقوله { وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } الشورى 43 ، وقوله { لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوۤءِ مِنَ ٱلْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ } النساء 148 فهذا عدل . ثم دعا إلى الإحسان بقوله { إِن تُبْدُواْ خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوۤءٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً } النساء 149 إلى غير ذلك من الآيات . فإذا عرفت هذا ، فاعلم أن العدل في اللغة القسط والإنصاف ، وعدم الجور . وأصله التوسط بين المرتبتين . أي الإفراط والتفريط . فمن جانب الإفراط والتفريط فقد عدل . والإحسان مصدر أحسن ، وهي تستعمل متعدية بالحرف نحو أحسن إلى والديك . ومنه قوله تعالى عن يوسف { وَقَدْ أَحْسَنَ بَيۤ إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ ٱلسِّجْنِ } يوسف 10 الآية . وتستعمل متعدية بنفسها . كقولك أحسن العامل عمله ، أي اجاده وجاء به حسناً . والله جل وعلا يأمر بالإحسان بمعنييه المذكورين ، فهما داخلان في الآية الكريمة ، لأن الإحسان إلى عباد الله لوجه الله عمل أحسن فيه صاحبه . وقد فسر النَّبي صلى الله عليه وسلم الإحسان في حديث جبريل بقوله " أن تعبد الله كأنك تراه . فإن لم تكن تراه فإنه يراك " وقد قدمنا ذلك في سورة هود . فإذا عرفت هذا ، فاعلم أن أقوال المفسرين في الآية الكريمة راجعة في الجملة إلى ما ذكرنا . كقول ابن عباس العدل لا إله إلا الله ، والإحسان أداء الفرائض . لأن عبادة الخالق دون المخلوق هي عين الإنصاف والقسط ، وتجنب التفريط والإفراط . ومن أدى فرائض الله على الوجه الأكمل فقد أحسن . ولذا قال النَّبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي حلف لا يزيد على الواجبات " أفلح إن صدق " وكقول سفيان العدل استواء العلانية والسريرة . والإحسان أن تكون السريرة أفضل من العلانية . وكقول علي رضي الله عنه العدلالإنصاف . والإحسان التفضل . إلى غير ذلك من أقوال السلف . والعلم عند الله تعالى وقوله { يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } . الوعظ الكلام الذي تلين له القلوب . تنبيه فإن قيل يكثر في القرآن إطلاق الوعظ على الأوامر والنواهي . كقوله هنا { يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } مع أنه ما ذكر إل االأمر والنهي في قوله { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ } النحل 90 إلى قوله { وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاءِ } النحل90 الآية ، وكقوله في سورة البقرة بعد أن ذكر أحكام الطلاق والرجعة { ذٰلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } البقرة 232 ، وقوله في الطلاق في نحو ذلك أيضاً { ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } الطلاق 2 . وقوله في النهي عن مثل قذف عائشة { يَعِظُكُمُ ٱللَّهُ أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ أَبَداً } النور 17 الآية . مع أن المعروف عند الناس أن الوعظ يكون بالترغيب والترهيب ونحو ذلك ، لا بالأمر والنهي . فالجواب - أن ضابط الوعظ هو الكلام الذي تلين له القلوب وأعظم ما تلين له قلوب العقلاء أوامر ربهم ونواهيه . فإنهم إذا سمعوا الأمر خافوا من سخط الله في عدم امتثاله ، وطمعوا فيما عند الله من الثواب في امتثاله . وإذا سمعوا النهي خافوا من سخط الله في عدم اجتنابه ، وطمعوا فيما عنده من الثواب في اجتنابه . فحداهم حادي الخوف والطمع إلى الامتثال ، فلانت قلوبهم للطاعة خوفاً وطمعاً . والفحشاء في لغة العرب الخصلة المتناهية في القبح . ومنه قيل لشديد البخل فاحش . كما في قول طرفة في معلقته @ أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي عقيلة مال الفاحش المتشدد @@ والمنكر اسم مفعول أنكر . وهو في الشرع ما أنكره الشرع ونهى عنه وأوعد فاعله العقاب . والبغي الظلم . وقد بين تعالى أن الباغي يرجع ضرر بغيه على نفسه في قوله { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } يونس 23 ، وقوله { وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ } فاطر 43 . وقوله { ذِي ٱلْقُرْبَىٰ } . أي صاحب القرابة من جهة الأب أو الأم ، أو هما معاً . لأن إيتاء ذي القربى صدقة وصلة رحم . والإيتاء الإعطاء . وأحد المفعولين محذوف . لأن المصدر أضيف إلى المفعول الأول وحذف الثاني . والأصل وإيتاء صاحب القرابة . كقوله { وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ } البقرة 177 الآية .