Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 9-9)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى { وَعَلَىٰ ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ } . اعلم أولاً - أن قصد السبيل هو الطريق المستقيم القاصد ، الذي لا اعوجاج فيه ، وهذا المعنى معروف في كلام العرب . ومنه قول زهير بن أبي سلمى المزني @ صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله وعرى أفراس الصبا ورواحله وأقصرت عما تعلمين وسددت علي سوى قصد السبيل معادله @@ وقول امرىء القيس @ ومن الطريقة جائر وهدى قصد السبيل منه ذو دخل @@ فإذا علمت ذلك فاعلم أن في معنى الآية الكريمة وجهين معروفين للعلماء ، وكل منهما له مصداق في كتاب الله ، إلا أن أحدهما أظهر عندي من الآخر . الأول منهما - أن معنى { وَعَلَىٰ ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ } أن طريق الحق التي هي قصد السبيل على الله ، أي موصلة إليه ، ليست حائدة ، ولا جائرة عن الوصول إليه وإلى مرضاته . { وَمِنْهَا جَآئِرٌ } . أي ومن الطريق جائر لا يصل إلى الله ، بل هو زائغ وحائد عن الوصول إليه . ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } الأنعام 153 ، وقوله { وَأَنِ ٱعْبُدُونِي هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } يس 61 . ويؤيد هذا التفسير قوله بعده { وَمِنْهَا جَآئِرٌ } وهذا الوجه أظهر عندي . واستظهره ابن كثير وغيره ، وهو قول مجاهد . الوجه الثاني - أن معنى الآية الكريمة { وَعَلَىٰ ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ } أي عليه جل وعلا أن يبين لكم طريق الحق على ألسنة رسله . ويدل لهذا الوجه قوله تعالى { رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ } النساء 165 ، وقوله { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } الإسراء 15 ، وقوله { فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } التغابن 12 إلى غير ذلك من الآيات . وعلى هذا القول ، فمعنى قوله { وَمِنْهَا جَآئِرٌ } غير واضح ، لأن المعنى ومن طريق جائر عن الحق ، وهو الذي نهاكم الله عن سلوكه ، والجائر المائل عن طريق الحق . والوجهان المذكوران في هذه الآية جاريان في قوله { إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ } الليل 12 الآية . قوله تعالى { وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِين } . بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه لو شاء هداية جميع خلقه لهداهم أجمعين . وأوضح هذا المعنى في آيات أخر ، كقوله { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ } الأنعام 35 ، وقوله { وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا } السجدة 13 الآية ، وقوله { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكُواْ } الأنعام 107 ، وقوله { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي ٱلأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً } يونس 99 الآية ، وقوله { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً … } هود 118 الآية ، إلى غير ذلك من الآيات . وقد قدمنا هذا في سورة يونس .