Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 2-2)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى { وَآتَيْنَآ مُوسَى ٱلْكِتَابَ } . لما بين جل وعلا في هذه الأية الكريمة عظم شأن نبيه محمد صلى الله علية وسلم ، ذكر عظم شأن موسى بالكتاب العظيم ، الذي أنزله إليه ، وهو التوراة . مبيناً أنه جعله هدىً لبني إسرائيل . وكرر جل وعلا هذا المعنى في القرآن . كقوله { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } السجدة23 - 24 ، وقوله { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَآ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ ٱلأُولَىٰ بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ } القصص43 ، وقوله { ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ } الأنعام154 الآية ، وقوله { وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ … } الأعراف145 الآية إلى غير ذلك من الآيات . قوله تعالى { أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً } . اعلم أن هذا الحرف قرأه جمهور القراء { ألا تتخذون } بالتاء على وجه الخطاب . وعلى هذا فـ " أن " هي المفسرة . فجعل التوراة هدى لبني إسرائيل مفسر بنهيهم عن اتخاذ وكيل من دون الله . لأن الإخلاص لله في عبادته هو ثمرة الكتب المنزلة على الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه . وعلى هذه القراءة فـ " لا " في قوله { أَلاَّ تَتَّخِذُواْ } ناهية . وقرأه أبو عمرو من السبعة { أَلاَّ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً } بالياء على الغيبة . وعلى هذه القراءة فالمصدر المنسبك من " أن " وصلتها مجرور بحرف التعليل المحذوف . أي وجعلناه هدى لبني إسرائيل لأجل ألا يتخذوا من دوني وكيلاً . لأن اتخاذ الوكيل الذي تسند إليه الأمور ، وتفوض من دون الله ليس من الهدى . فمرجع القراءتين إلى شيء واحد ، وهو أن التوكل إنما يكون على الله وحده لا على غيره . وكرر هذا المعنى في مواضع كثيرة . كقوله { رَّبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَٱتَّخِذْهُ وَكِيلاً } المزمل9 ، وقوله { قُلْ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا } الملك29 . وقوله { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ } التوبة129 ، وقوله { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } الطلاق3 ، وقوله { قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَآ أَن نَّأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَعلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَمَا لَنَآ أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَآ آذَيْتُمُونَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ } إبراهيم11 - 12 ، وقوله { إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ } هود56 الآية ، وقوله { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يٰقَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْتُ } يونس71 ، وقوله { وَتَوَكَّلْ عَلَىٰ ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } الأحزاب3 الآية ، وقوله { وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱلْحَيِّ ٱلَّذِي لاَ يَمُوتُ } الفرقان58 الآية ، وقوله { فَٱعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } هود123 الآية ، وقوله { فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيل } آل عمران173 ، والآيات بمثل ذلك كثيرة جداً . والوكيل فعيل من التوكل . أي متوكلاً عليه ، تفوضون إليه أموركم . فيوصل إليكم النفع ، ويكف عنكم الضر . وقال الزمخشري { وكيلاً } أي رباً تكلون إليه أموركم . وقال ابن جرير حفيظاً لكم سواي . وقال أبو الفرج بن الجوزي قيل للرب وكيل لكفايته وقيامه بشؤون عباده . لا على معنى ارتفاع منزلة الموكل وانحطاط أمر الوكيل اهـ . قاله أبو حيان في البحر . وقال القرطبي { وكيلاً } أي شريكاً . عن مجاهد . وقيل كفيلاً بأمورهم . حكاه الفراء . وقيل ربًّا يتوكلون عليه في أمورهم . قاله الكلبي . وقال الفراء كافياً اهـ والمعاني متقاربة ، ومرجعها إلى شيء واحد ، وهو أن الوكيل من يتوكل عليه . فتفوض الأمور إليه ، ليأتي بالخير ، ويدفع الشر . وهذا لا يصح إلا لله وحده جل وعلا . ولهذا حذر من اتخاذ وكيل دونه . لأنه لا نافع ولا ضار ، ولا كافي إلا هو وحده جل وعلا … عليه توكلنا ، وهو حسبنا ونعم الوكيل .