Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 46-46)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى { وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِيۤ آذَانِهِمْ وَقْراً } . بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه جعل على قلوب الكفار أكنة ، جمع كنان وهو ما يستر الشيء ويغطيه ويكنه ، لئلا يفقهوا القرآن . أو كراهة أن يفقهوه لحيلولة تلك الأكنة بين قلوبهم وبين فقه القرآن . أي فهم معانيه فهماً ينتفع به صاحبه . وأنه جعل في آذانهم وقراً أي صمماً وثقلاً لئلا يسمعوه سماع قبول وانتفاع . وبين في مواضع أخر سبب الحيلولة بين القلوب وبين الانتفاع به ، وأنه هو كفرهم ، فجازاهم الله على كفرهم بطمس البصائر ، وإزاغة القلوب والطبع والختم والأكنة المانعة من وصول الخير إليها ، كقوله تعالى { فَلَمَّا زَاغُوۤاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُم } الصف5 الآية ، وقوله { بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِم } النساء155 ، وقوله { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ } الأنعام110 ، وقوله { فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً } البقرة10 الآية ، وقوله { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَىٰ رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ } التوبة125 ، إلى غير ذلك من الآيات . تنبيه في هذه الآية الكريمة - الرد الواضح على القدرية في قولهم إن الشر لا يقع بمشيئة الله ، بل بمشيئة العبد . سبحان الله وتعالى علواً كبيراً عن أن يقع في ملكه شيء ليس بمشيئته ؟ { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكُواْ } الأنعام107 ، { وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا } السجدة13 الآية ، { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ } الأنعام35 إلى غير ذلك من الآيات . قوله تعالى { وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي ٱلْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً } . بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة ، أن نبيه صلى الله عليه وسلم إذا ذكر ربه وحده في القرآن بأن قال " لا إله إلا الله " ولى الكافرون على أدبارهم نفوراً ، بغضاً منهم لكلمة التوحيد ، ومحبة للإشراك به جل وعلا . وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر ، مبيناً أن نفورهم من ذكره وحده جل وعلا سبب خلودهم في النار ، كقوله { وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ ٱشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } الزمر45 ، وقوله { ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ كَـفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ فَٱلْحُكْمُ للَّهِ ٱلْعَلِـيِّ ٱلْكَبِيرِ } غافر12 ، وقوله { إِنَّهُمْ كَانُوۤاْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُوۤ آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ } الصافات35 - 36 ، وقوله { كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ } الشورى13 الاية ، وقوله { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِٱلَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا } الحج72 ، وقوله { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } فصلت26 . وقوله في هذه الآية { نُفُوراً } جمع نافر . فهو حال . أي ولوا على أدبارهم في حال كونهم نافرين من ذكر الله وحده من دون إشراك . والفاعل يجمع على فعول كساجد وسجود ، وراكع وركوع . وقال بعض العلماء " نفوراً " مصدر ، وعليه فهو ما ناب عن المطلق من قوله { وَلَّوْاْ } لأن التولية عن ذكره وحده بمعنى النفور منه .