Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 45-45)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

في هذه الآية الكريمة وجهان من التفسير الأول - أن المعنى وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً . أي حائلاً وساتراً يمنعهم من تفهم القرآن وإدراكه لئلا يفقهوه فينتفعوا به . وعلى هذا القول - فالحجاب المستور هو ما حجب الله به قلوبهم عن الانتفاع بكتابه . والآيات الشاهدة لهذا المعنى كثيرة . كقوله { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيۤ أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَٱعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ } فصلت5 ، وقوله { خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ } البقرة7 الآية ، وقوله { إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ } الكهف57 الآية . إلى غير ذلك من الآيات ، وممن قال بهذا القول في معنى الآية قتادة والزجاج وغيرهما . الوجه الثاني في الآية - أن المراد بالحجاب المستور أن الله يستره عن أعين الكفار فلا يرونه . قال صاحب الدر المنثور في الكلام على هذه الآية . أخرج أبو يعلى وابن أبي حاتم وصححه . وابن مردويه ، وأبو نعيم والبيهقي معاً في الدلائل " عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت لما نزلت { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } المسد1 أقبلت العوراء أم جميل ولها ولولة وفي يدها فهر وهي تقول * مذمما أبينا * … * ودينه قلينا * … * وأمره عصينا * ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ، وأبو بكر رضي الله عنه إلى جنبه ، فقال أبو بكر رضي الله عنه لقد أقبلت هذه وأنا أخاف أن تراك ؟ فقال " إنها لن تراني " وقرأ قرآنا اعتصم به . كما قال تعالى { وَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً } . فجاءت حتى قامت على أبي بكر رضي الله عنه فلم تر النَّبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا أبا بكر ، بلغني أن صاحبك هجاني ! ؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه لا ورب هذا البيت ما هجاك . فانصرفت وهي تقول قد علمت قريش أني بنت سيدها . إلى غير ذلك من الروايات بهذا المعنى . وقال أبو عبد الله القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية ، بعد أن ساق بعض الروايات نحو ما ذكرنا في هذا الوجه الأخير ما نصه ولقد اتفق لي ببلادنا الأندلس بحصن منثور من أعمال قرطبة مثل هذا . وذلك أني هربت أمام العدو وانحزت إلى ناحية عنه ، فلم ألبث أن خرج في طلبي فارسان وأنا في فضاء من الأرض قاعد ليس يسترني عنهما شيء ، وأنا أقرأ أول سورة يس وغير ذلك من القرآن ، فعبرا علي ثم رجعا من حيث جاءا ، وأحدهما يقول للآخر هذا ديبله يعنون شيطاناً وأعمى الله عز وجل أبصارهم فلم يروني اهـ وقال القرطبي إن هذا الوجه في معنى الآية هو الأظهر . والعلم عند الله تعالى . وقوله في هذه الآية الكريمة { حِجَاباً مَّسْتُوراً } قال بعض العلماء هو من إطلاق اسم المفعول وإرادة اسم الفاعل . أي حجاباً ساتراً ، وقد يقع عكسه كقوله تعالى { مِن مَّآءٍ دَافِقٍ } الطارق6 أي مدفوق { عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } الحاقة21 أي مرضية . فإطلاق كل من اسم الفاعل واسم المفعول وإرادة الآخر أسلوب من أساليب اللغة العربية . والبيانيون يسمون مثل ذلك الإطلاق " مجازاً عقلياً " ومن أمثلة إطلاق المفعول وإرادة الفاعل كالقول في الآية - قولهم ميمون ومشؤوم ، بمعنى يامن وشائم . وقال بعض أهل العلم قوله { مَّسْتُوراً } على معناه الظاهر من كونه اسم مفعول ، لأن ذلك الحجاب مستور عن أعين الناس فلا يرونه . أو مستوراً به القارىء فلا يراه غيره . واختار هذا أبو حيان في البحر . والعلم عند الله تعالى .