Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 81-81)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الحق في لغة العرب الثابت الذي ليس بزائل ولا مضمحل . والباطل هو الذاهب المضمحل . والمراد بالحق في هذه الآية هو ما في هذا القرآن العظيم والسنة النبوية من دين الإسلام . والمراد بالباطل فيها الشرك بالله ، والمعاصي المخالفة لدين الإسلام . وقد بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن الإسلام جاء ثابتاً راسخاً ، وأن الشرك بالله زهق . أي ذهب واضمحل وزال . تقول العرب زهقت نفسه إذا خرجت وزالت من جسده . ثم بين جل وعلا أن الباطل كان زهوقاً ، أي مضمحلاً غير ثابت في كل وقت . وقد بين هذا المعنى في غير هذا الموضع . وذكر أن الحق يزيل الباطل ويذهبه . كقوله { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ قُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَمَا يُبْدِىءُ ٱلْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ } سبأ48 - 49 ، وقوله { بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلَى ٱلْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ } الأنبياء18 الآية . وقال صاحب الدُّر المنثور في الكلام على هذه الآية الكريمة أخرج ابن أبي شيبة ، والبخاري ومسلم ، والترمذي والنسائي ، وابن جرير وابن المنذر ، وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال دخل النَّبي صلى الله عليه وسلم مكة ، وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب ، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول { جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ إِنَّ ٱلْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً } الإسراء81 { قُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَمَا يُبْدِىءُ ٱلْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ } سبأ49 . وأخرج ابن أبي شيبة وأبو يعلى وابن المنذر عن جابر رضي الله عنه قال دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، وحول البيت ثلاثمائة وستون صنماً . فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكبت لوجهها ، وقال { جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ إِنَّ ٱلْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً } . وأخرج الطبراني في الصغير ، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح ، وعلى الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً . فشد لهم إبليس أقدامها بالرصاص . فجاء ومعه قضيب فجعل يهوي إلى كل صنم منها فيخر لوجهه فيقول { جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ إِنَّ ٱلْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً } حتى مر عليها كلها . وقال القرطبي في تفسير هذه الآية وفي هذه الآية دليل على كسر نصب المشركين وجميع الأوثان إذا غلب عليهم . ويدخل المعنى كسر آلة الباطل كله وما لا يصلح إلا لمعصية الله كالطنابير والعيدان والمزامير التي لا معنى لها إلا اللهو بها عن ذكر الله . قال ابن المنذر وفي معنى الأصنام الصور المتخذة من المدر والخشب وشبهها ، وكل ما يتخذه الناس مما لا منفعة فيه إلا اللهو المنهي عنه ، ولا يجوز بيع شيء منه إلا الأصنام التي تكون من الذهب والفضة والحديد والرصاص إذا غيرت عما هي عليه وصارت نقراً أو قطعاً فيجوز بيعها والشراء بها . قال المهلب وما كسر من الآت الباطل وكان في حبسها بعد كسرها منفعة فصاحبها أولى بها مكسورة . إلا أن يرى الإمام حرقها بالنار على معنى التشديد والعقوبة في المال . وقد تقدم حرق ابن عمر رضي الله عنه . وقد هم النَّبي صلى الله عليه وسلم بتحريق دور من تخلف عن صلاة الجماعة وهذا أصل في العقوبة في المال . " مع قوله صلى الله عليه وسلم في الناقة التي لعنتها صاحبتها " دعوها فإنها ملعونة " فأزال ملكها عنها تأديباً لصاحبتها ، وعقوبة لها فيما دعت عليه بما دعت به . وقد أراق عمر بن الخطاب رضي الله عنه لبناً شيب بماء على صاحبه اهـ الغرض من كلام القرطبي رحمه الله تعالى . وقوله صلى الله عليه وسلم " والله لينزلن عيسى ابن مريم حكماً عدلاً فليكسرن الصليب ، وليقتلن الخنزير " الحديث - من قبيل ما ذكرنا دلالة الآية عليه والعلم عند الله تعالى .