Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 102-102)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الهمزة في قوله تعالى { أفحسب } للإنكار والتوبيخ . وفي الآية حذف دل المقام عليه . قال بعض العلماء تقدير المحذوف هو أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء ، ولا أعاقبهم العقاب الشديد ! كلا ! ! بل سأعاقبهم على ذلك العقاب الشديد . بدليل قوله تعالى بعده { إِنَّآ أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً } وقال بعض العلماء تقديره أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء ! وأن ذلك ينفعهم . كلا ! لا ينفعهم بل يضرهم . ويدل لهذا قوله تعالى عنهم { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } الزمر 3 وقوله عنهم { وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } يونس 18 . ثم إنه تعالى بين بطلان ذلك بقوله { قُلْ أَتُنَبِّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } يونس 18 ، وما أنكره عليهم هنا من ظنهم أنهم يتخذون من دونه أولياء من عباده ولا يعاقبهم . أو أن ذلك ينفعهم - جاء مبيناً في مواضع ، كقوله في أول سورة " الأعراف " { ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ } الأعراف 3 الآية . فقد نهاهم عن اتباع الأولياء من دونه في هذه الآية ، لأنه يضرهم ولا ينفعهم ، وأمثال ذلك كثيرة في القرآن من الأدلة على أنه لا ولي من دون الله لأحد ، وإنما الموالاة في الله ، كقوله { وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ } الكهف 26 الآية ، وقوله { وَلاَ تَرْكَنُوۤاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } هود 113 ، وقوله { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ } الشورى 44 الآية ، وقوله { وَأَنذِرْ بِهِ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ } الأنعام 51 الآية ، وقوله { وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيٌّ } الأنعام 70 الآية ، ونحو ذلك من الآيات . وسيأتي له قريباً إن شاء الله تعالى زيادة إيضاح وأمثلة . والأظهر المتبادر من الإضافة في قوله " عبادي " أن المراد بهم نحو الملائكة وعيسى وعزير . لا الشياطين ونحوهم ، لأن مثل هذه الإضافة للتشريف غالباً . وقد بين تعالى أنهم لا يكونون أولياء لهم في قوله { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَـٰؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ قَالُواْ سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ } سبأ 40 - 41 الآية ، وقوله { إنا أعتدنا } قد أوضحنا معناه في قوله تعالى { إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً } الكهف 29 الآية ، فأغنى عن إعادته هنا . وفي قوله { نزلاً } أوجه من التفسير للعلماء ، أظهرها " أن " النزل " هو ما يقدم للضيف عند نزوله ، والقادم عند قدومه . والمعنى أن الذي يهيأ لهم من الإكرام عند قدومهم إلى ربهم هو جهنم المعدة لهم ، كقوله { فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } آل عمران 21 . وقوله { يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَٱلْمُهْلِ } الكهف 29 . وقد قدمنا شواهده العربية في الكلام على قوله تعالى . { يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَٱلْمُهْلِ } لأن ذلك الماء الذي يشوي الوجوه ليس فيه إغاثة ، كما أن جهنم ليست نزل إكرام الضيف أو قادم . الوجه الثاني - أن " نزلاً " بمعنى المنزل ، أي اعتدنا جهنم للكافرين منزلاً ، أي مكان نزول ، لا منزل لهم غيرها . وأضعف الأوجه ما زعمه بعضهم من أن " النزل " جمع نازل ، كجمع الشارف على شرف بضمتين . والذي يظهر في إعراب " نزلاً " أنه حال مؤولة بمعنى المشتق . أو مفعول لـ " اعتدنا " بتضمينه معنى صيرنا أو جعلنا . والله تعالى أعلم .