Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 18-18)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى { وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ } . الحسبان بمعنى الظن . والأيقاظ جمع يقظ - بكسر القاف وضمها - ، ومنه قول عمر بن أبي ربيعة @ فلما رأت من قد تنبه منهم وأيقاظهم قالت أشر كيف تأمر @@ والرقود جمع راقد وهو النائم ، أي تظنهم أيها المخاطب لو رأيتهم أيقاظاً والحال أنهم رقود . ويدل على هذا المعنى قوله تعالى في نظيره { لَوِ ٱطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوْلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً } الكهف 18 الآية . وقال بعض العلماء سبب ظن الرائي أنهم أيقاظ هو أنهم نيام وعيونهم مفتحة ، وقيل لكثرة تقلبهم . وهذا القول يشير له قوله تعالى بعده { وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ ٱليَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِ } الكهف 18 . وكلام المفسرين هنا في عدد تقلبهم من كثرة وقلة لا دليل عليه . ولذا أعرضنا عن ذكر الأقوال فيه . وقوله في هذه الآية { وتحسبهم } قرأه بفتح السين على القياس ابن عامر وعاصم وحمزة . وقرأه بكسر السين نافع وابن كثير وأبو عمرو والكسائي ، وهما قراءتان سبعيتان ، ولغتان مشهورتان ، والفتح أقيس والكسر أفصح . قوله تعالى { وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِٱلوَصِيدِ } . اختلفت عبارات المفسرين في المراد بـ " الوصيد " فقيل هو فناء البيت . ويروى عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقيل الوصيد الباب ، وهو مروي عن ابن عباس أيضاً . وقيل الوصيد العتبة . وقيل الصعيد . والذي يشهد له القرآن أن الوصيد هو الباب . ويقال له " أصيد " أيضاً . لأن الله يقول " { إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ } الهمزة 8 أي مغلقة مطبقة . وذلك بإغلاق كل وصيد أو أصيد ، وهو الباب من أبوابها . ونظير الآية من كلام العرب قول الشاعر @ تحن إلى أجبال مكة ناقتي ومن دونها أبواب صنعاء مؤصدة @@ وقول ابن قيس الرقيات @ إن في القصر لو دخلنا غزالا مصفقاً مؤصداً عليه الحجاب @@ فالمراد بالإيصاد في جميع ذلك الإطباق والإغلاق . لأن العادة فيه أن يكون بالوصيد وهو الباب . ويقال فيه أصيد . وعلى اللغتين القراءتان في قوله " مؤصدة " مهموزاً من الأصيد … وغير مهموز من الوصيد . ومن إطلاق العرب الوصيد على الباب قول عبيد بن وهب العبسي ، وقيل زهير @ بأرض فضاء لا يسد وصيدها علي ومعروفي بها غير منكر @@ أي لا يسد بابها علي ، يعني ليست فيها أبواب حتى تسد علي . كقول الآخر @ ولا ترى الضب بها ينجحر @@ فإن قيل كيف يكون الوصيد هو الباب في الآية ، والكهف غار في جبل لا باب له ؟ فالجواب أن الباب يطلق على المدخل الذي يدخل للشيء منه . فلا مانع من تسمية المدخل إلى الكهف باباً . ومن قال الوصيد الفناء لا يخالف ما ذكرنا . لأن فناء الكهف هو بابه ، وقد قدمنا مراراً أن من أنواع البيان التي تضمنها هذا الكتاب المبارك أن يقول بعض العلماء في الآية قولاً وتكون في الآية قرينة تدل على خلافه . وقد قال بعض أهل العلم في هذه الآية الكريمة إن المراد بالكلب في هذه الآية - رجل منهم لا كلب حقيقي . واستدلوا لذلك ببعض القراءات الشاذة ، كقراءة " وكالبهم باسط ذراعيه بالوصيد " وقراءة " وكالئهم باسط ذراعيه " . وقوله جل وعلا { باسط ذراعيه } قرينة على بطلان ذلك القول . لأن بسط الذراعين معروف من صفات الكلب الحقيقي ، ومنه حديث أنس المتفق عليه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب " وهذا المعنى مشهور في كلام العرب ، فهو قرينة على أنه كلب حقيقي . وقراءة " وكالئهم " بالهمزة لا تنافي كونه كلباً ، لأن الكلب يحفظ أهله ويحرسهم . والكلاءة الحفظ . فإن قيل ما وجه عمل اسم الفاعل الذي هو " باسط " في مفعوله الذي هو " ذراعيه " والمقرر في النحو أن اسم الفاعل إذا لم يكن صلة " ال " لا يعمل إلا إذا كان واقعاً في الحال أو المستقبل ؟ فالجواب - أن الآية هنا حكاية حال ماضية ، ونظير ذلك من القرآن قوله تعالى { إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً } البقرة 30 ، وقوله تعالى { وَٱللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } البقرة 72 . واعلم أن ذكره جل وعلا في كتابه هذا الكلب ، وكونه باسطاً ذراعيه بوصيد كهفهم في معرض التنويه بشأنهم - يدل على أن صحبة الأخيار عظيمة الفائدة . قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة وشملت كلبهم بركتهم ، فأصابه ما أصابهم من النوم على تلك الحال ، وهذا فائدة صحبة الأخيار ، فإنه صار لهذا الكلب ذكر وخبر وشأن اهـ . ويدل لهذا المعنى " قوله صلى الله عليه وسلم لمن قال إني أحب الله ورسوله " أنت مع من أحببت " متفق عليه من حديث أنس . ويفهم من ذلك أن صحبة الأشرار فيها ضرر عظيم . كما بينه الله تعالى في سورة " الصافات " في قوله { قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ } الصافات 51 إلى قوله - { تَٱللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ } الصافات 56 - 57 . وما يذكره المفسرون من الأقوال في اسم كلبهم ، فيقول بعضهم اسمه قطمير . ويقول بعضه اسمه حمران ، إلى غير ذلك - لم نطل به الكلام لعدم فائدته . ففي القرآن العظيم أشياء كثيرة لم يبينها الله لنا ولا رسوله ، ولم يثبت في بيانها شيء ، والبحث عنها لا طائل تحته ولا فائدة فيه . وكثير من المفسرين يطنبون في ذكر الأقوال فيها بدون علم ولا جدوى ، ونحن نعرض عن مثل ذلك دائماً . كلون كلب أصحاب الكهف ، واسمه ، وكالبعض الذي ضرب به القتيل من بقرة بني إسرائيل ، وكاسم الغلام الذي قتله الخضر ، وأنكر عليه موسى قتله ، وكخشب سفينة نوح من أي شجر هو ، وكم طول السفينة وعرضها ، وكم فيها من الطبقات ، إلى غير ذلك مما لا فائدة في البحث عنه ، ولا دليل على التحقيق فيه . وقد قدمنا في سورة " الأنعام " في الكلام على قوله تعالى { قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً } الأنعام 145 الآية - حكم أكل لحم الكلب وبيعه ، وأخذ قيمته إن قتل ، وما يجوز اقتناؤه منها وما لا يجوز . وأوضحنا الأدلة في ذلك وأقوال العلماء فيه .