Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 58-58)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى { وَرَبُّكَ ٱلْغَفُورُ ذُو ٱلرَّحْمَةِ } الآية . ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه غفور ، أي كثير المغفرة ، وأنه ذو الرحمة يرحم عباده المؤمنين يوم القيامة ، ويرحم الخلائق في الدنيا . وبين في مواضع أخر أنه هذه المغفرة شاملة لجميع الذنوب بمشيئته جل وعلا إلا الشرك . كقوله { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ } النساء 48 ، وقوله { إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيهِ ٱلْجَنَّةَ } المائدة 72 . وبين في موضع آخر أن رحمته واسعة ، وأنه سيكتبها للمتقين . وهو قوله { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَـاةَ } الأعراف 156 الآية . وبين في مواضع أخر سعة مغفرته ورحمته كقوله { إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ ٱلْمَغْفِرَةِ } النجم 32 ، وقوله { إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً } الزمر 53 . ونحو ذلك من الآيات . وبين في مواضع أخر أنه مع سعة رحمته ومغفرته شديد العقاب . كقوله { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } الرعد 6 وقوله { غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ } غافر 3 ، وقوله تعالى { نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ ٱلْعَذَابُ ٱلأَلِيمُ } الحجر 49 - 50 ، إلى غير ذلك من الآيات . قوله تعالى { لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ لَعَجَّلَ لَهُمُ ٱلْعَذَابَ } الآية . بين في هذه الآية الكريمة أنه لو يؤاخذ الناس بما كسبوا من الذنوب كالكفر والمعاصي لعجل لهم العذاب لشناعة ما يرتكبونه ، ولكنه حليم لا يعجل بالعقوبة . فهو يمهل ولا يهمل . وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر . كقوله { وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ } النحل 61 ، وقوله { وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ } فاطر 45 وقد قدمنا هذا في سورة " النحل " مستوفى . قوله تعالى { بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ مَوْئِلاٍ } الآية . بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة ، أنه وإن لم يعجل لهم العذاب في الحال فليس غافلاً عنهم ولا تاركاً عذابهم ، بل هو تعالى جاعل لهم موعداً يعذبهم فيه ، لا يتأخر العذاب عنه ولا يتقدم . وبين هذا في مواضع أخر ، كقوله في " النحل " { وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّىٰ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } النحل 61 ، وقوله في آخر سورة " فاطر " { وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَـٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً } فاطر 45 ، وكقوله { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأَبْصَارُ } إبراهيم 42 ، وكقوله { وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَآءَهُمُ ٱلْعَذَابُ } العنكبوت 53 الآية . وقد دلت آيات كثيرة على أن الله لا يؤخر شيئاً عن وقته الذي عين له ولا يقدمه عليه ، كقوله { وَلَن يُؤَخِّرَ ٱللَّهُ نَفْساً إِذَا جَآءَ أَجَلُهَآ } المنافقون 11 ، وقوله { يَسْتَقْدِمُونَ } الأعراف 34 ، وقوله تعالى { إِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ إِذَا جَآءَ لاَ يُؤَخَّرُ } نوح 4 الآية ، وقوله { لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } الرعد 38 ، وقوله { لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌَّ } الأنعام 67 إلى غير ذلك من الآيات . وقوله في هذه الآية الكريمة { لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ مَوْئِلاٍ } أي ملجأ يلجؤون إليه فيعتصمون به من ذلك العذاب المجعول له الموعد المذكور . وهو اسم مكان ، من وأل يئل وألا ووؤلا بمعنى لجأ . ومعلوم في فن الصرف أن واوي الفاء من الثلاثي ينقاس مصدره الميمي واسم مكانه وزمانه - على المفعل بكسر العين كما هنا ، ما لم يكن معتل اللام فالقياس فيه الفتح كالمولى . والعرب تقول لا وألت نفسه ، أي لا وجدت منجى تنجو به ، ومنه قول الشاعر @ لا وألت نفسك خليتها للعامرين ولم تكلم @@ وقال الأعشى @ وقد أخالس رب البيت غفلته وقد يحاذر مني ثم ما يئل @@ أي ما ينجو . وأقوال المفسرين في " الموئل " راجعة إلى ما ذكرنا ، كقول بعضهم موئلاً محيصاً ، وقول بعضهم منجى . وقول بعضهم محرزاً ، إلى غير ذلك فكله بمعنى ما ذكرنا .