Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 59-59)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

بين في هذه الآية الكريمة أن القرى الماضية لما ظلمت بتكذيب الرسل والعناد واللجاج في الكفر والمعاصي أهلكهم الله بذنوبهم . وهذا الإجمال في تعيين هذه القرى وأسباب هلاكها ، وأنواع الهلاك التي وقعت بها - جاء مفصلاً في آيات أخر كثيرة ، كما جاء في القرآن من قصة قوم نوح ، وقوم هود ، وقوم صالح ، وقوم شعيب ، وقوم موسى ، كما تقدم بعض تفاصيله . والقرى جمع قرية على غير قياس ، لأن جمع التكسير على " فعل " - بضم ففتح - لا ينقاس إلا في جمع " فعلة " - بالضم - اسماً كغرفة وقربة . أو " فعلى " إذا كانت أنثى الأفعل خاصة ، كالكبرى والكبر ، كما أشار لذلك في الخلاصة بقوله @ وفعل جمعاً لفعلة عرف ونحو كبرى … الخ @@ أي وأما في غير ذلك فسماع يحفظ ولا يقاس عليه . وزاد في التسهيل نوعاً ثالثاً ينقاس فيه " فعل " بضم ففتح ، وهو الفعلة بضمتين إن كان اسماً كجمعة وجمع . واسم الإشارة في قوله { وتلك القرى } إنما أشير به لهم لأنهم يمرون عليها في أسفارهم ، كقوله { وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ وَبِٱلْلَّيْلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } الصافات 137 - 138 ، وقوله { وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ } الحجر 76 ، وقوله { وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ } الحجر 79 ونحو ذلك من الآيات . وقوله " وتلك " مبتدأ و " القرى " صفة له . أو عطف بيان . وقوله " أهلكناهم " هو الخبر . ويجوز أن يكون الخبر هو " القرى " وجملة " أهلكناهم " في محل حال ، كقوله { فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوۤاْ } النمل 52 . ويجوز أن يكون قوله " وتلك " في محل نصب بفعل محذوف يفسره العامل المشتغل بالضمير ، على حد قوله في الخلاصة @ إن مضمر اسم سابق فعلا شغل عنه بنصب لفظه أو المحل فالسابق انصبه بفعل أضمرا حتما موافق لما قد أظهرا @@ وقوله في هذه الآية الكريمة { ولِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً } قرأه عامة السبعة ما عدا عاصماً بضم الميم وفتح اللام على صيغة اسم المفعول . وهو محتمل على هذه القراءة أن يكون مصدراً ميمياً ، أي جعلنا لإهلاكهم موعداً . وأن يكون اسم زمان ، أي وجعلنا لوقت إهلاكهم موعداً . وقد تقرر في فن الصرف أن كل فعل زاد ماضيه على ثلاثة أحرف مطلقاً فالقياس في مصدره الميمي واسم مكانه واسم زمانه - أن يكون الجميع بصيغة اسم المفعول . والمهلك - بضم الميم - من أهلكه الرباعي . وقرأه حفص عن عاصم " لمهلكهم " بفتح الميم وكسر اللام . وقرأه شعبة عن عاصم " لمهلكهم " بفتح الميم واللام معاً . والظاهر أنه على قراءة حفص اسم زمان ، أي وجعلنا لوقت هلاكهم موعداً . لأنه من هلك يهلك بالكسر . وما كان ماضيه على " فعل " بالفتح ومضارعه " يفعل " بالكسر كهلك يهلك ، وضرب يضرب ، ونزل ينزل فالقياس في اسم مكانه وزمانه المفعل بالكسر . وفي مصدره الميمي المفعل بالفتح . تقول هذا منزله - بالكسر - أي مكان نزوله أو وقت نزوله ، وهذا " منزله " بفتح الزاي . أي نزوله ، وهكذا . منه قول الشاعر @ أأن ذكرتك الدار منزلها جمل بكيت فدمع العين منحدر سجل @@ فقوله " منزلها جمل " بالفتح . أي نزول جمل إياها وبه تعلم أنه على قراءة شعبة " لمهلكهم " بفتح الميم واللام أنه مصدر ميمي . أي وجعلنا لهلاكهم موعداً . والموعد الوقت المحدد لوقوع ذلك فيه . تنبيه لفظة " لما " ترد في القرآن وفي كلام العرب على ثلاثة أنواع الأول - لما النافية الجازمة للمضارع . نحو قوله { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم } البقرة 214 ، وقوله { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ } آل عمران 142 الآية . وهذه حرف بلا خلاف ، وهي مختصة بالمضارع . والفوارق المعنوية بينها وبين لم النافية مذكورة في علم العربية ، وممن أوضحها ابن هشام وغيره . الثاني - أن تكون حرف استثناء بمعنى إلا . فتدخل على الجملة الاسمية . كقوله تعالى { إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ } الطارق 4 في قراءة من شدد " لما " أي ما كل نفس إلا عليها حافظ . ومن هذا النوع قول العرب أنشدك الله لما فعلت . أي ما أسألك إلا فعلك . ومنه قول الراجز @ قالت له لله يا ذا البردين لما غنثت نفساً أو نفسين @@ فقولها " غنثت " بعين معجمة ونون مكسورة وثاء مثلثة مسنداً لتاء المخاطب . والمراد بقولها " غنث " تنفست في الشرب . كنت بذلك عن الجماع ، تريد عدم متابعته لذلك ، وأن يتنفس بين ذلك . وهذا النوع حرف أيضاً بلا خلاف . وبعض أهل العلم يقول إنه لغة هذيل . الثالث - من أنواع " لما " هو النوع المختص بالماضي المقتضي جملتين ، توجد ثانيتهما عند وجود أولاهما ، كقوله { لما ظلموا } أي لما ظلموا أهلكناهم ، فما قبلها دليل على الجملة المحذوفة . وهذا النوع هو الغالب في القرآن وفي كلام العرب . " ولما " هذه التي تقتضي ربط جملة بجملة اختلف فيها النحويون هل هي حرف ، أو اسم ، وخلافهم فيها مشهور ، وممن انتصر لأنها حرف ابن خروف وغيره . وممن انتصر لأنها اسم ابن السراج والفارسي وابن جني وغيرهم . وجواب " لما " هذه يكون فعلاً ماضياً بلا خلاف . كقوله { فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ } الإسراء 67 الآية ، ويكون جملة اسمية مقرونة بـ " إذا " الفجائية . كقوله { فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } العنكبوت 65 ، أو مقرونة بالفاء كقوله { فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ } لقمان 32 الآية ، ويكون جوابها فعلاً مضارعاً كما قاله ابن عصفور . كقوله { فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ ٱلرَّوْعُ وَجَآءَتْهُ ٱلْبُشْرَىٰ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ } هود 74 الآية . وبعض ما ذكرنا لا يخلو من مناقشة عند علماء العربية ، ولكنه هو الظاهر . هذه الأنواع الثلاثة ، هي التي تأتي لها " لما " في القرآن وفي كلام العرب . أما " لما " المتركبة من كلمات أو كلمتين - فليست من " لما " التي كلامنا فيها ، لأنها غيرها . فالمركبة من كلمات كقول بعض المفسرين في معنى قوله تعالى { وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ } هود 111 في قراءة ابن عامر وحمزة وحفص عن عاصم بتشديد نون " إن " وميم " لما " على قول من زعم أن الأصل على هذه القراءة لمن ما بمن التبعيضية ، وما بمعنى من ، أي وإن كلا لمن جملة ما يوفيهم ربك أعمالهم ، فأبدلت نون " من " ميما وأدغمت في ما ، فلما كثرت الميمات حذفت الأولى فصار لما . وعلى هذا القول فـ " لما " مركبة من ثلاث كلمات الأولى الحرف الذي هو اللام ، والثانية من ، والثالثة ما ، وهذا القول وإن قال بعض به أهل العلم - لا يخفى ضعفه وبعده ، وأنه لا يجوز حمل القرآن عليه . وقصدنا مطلق التمثيل لـ " لما " المركبة من كلمات على قول من قال بذلك . وأما المركبة من كلمتين فكقول الشاعر . @ لما رأيت أبا يزيد مقاتلاً أدع القتال وأشهد الهيجاء @@ لأن قوله " لما " في هذا البيت ، مركبة من " لن " النافية الناصبة للمضارع و " ما " المصدرية الظرفية ، أي لن أدع القتال ما رأيت أبا يزيد مقاتلاً ، أي مدة رؤيتي له مقاتلاً .