Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 61-61)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى { فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا } الآية . ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن موسى وفتاه نصبا حوتهما لما بلغ مجمع البحرين ، ولكنه تعالى أوضح أن النسيان واقع من فتى موسى ، لأنه هو الذي كان تحت يده الحوت ، وهو الذي نسيه . وإنما أسند النسيان إليهما ، لأن إطلاق المجموع مراداً بعضه - أسلوب عربي كثير في القرآن وفي كلام العرب . وقد أوضحنا أن من أظهر أدلته قراءة حمزة والكسائي { فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَٱقْتُلُوهُمْ } البقرة 191 من القتل في الفعلين لا من القتال ، أي فإن قتلوا بعضكم فليقتلهم بعضكم الآخر . والدليل على أن النسيان إنما وقع من فتى موسى دون موسى قوله تعالى عنهما { فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَآءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَباً قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى ٱلصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلْحُوتَ وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ } الكهف 62 - 63 الآية ، لأن قول موسى " آتنا غداءنا " يعني به الحوت - فهو يظن أن فتاه لم ينسه ، كما قاله غير واحد . وقد صرح فتاه بأنه نسيه بقوله { فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلْحُوتَ وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَانُ } الآية . وقوله في هذه الآية الكريمة { وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَانُ } دليل على أن النسيان من الشيطان كما دلت عليه آيات أخر . كقوله تعالى { وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } الأنعام 68 وقوله تعالى { ٱسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ ٱلشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ ٱللَّهِ } المجادلة 19 الآية . وفتى موسى هو يوشع بن نون . والضمير في قوله تعالى { مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا } عائد إلى " البحرين " المذكورين في قوله تعالى { لاۤ أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ } الكهف 60 الآية . والمجمَع اسم مكان على القياس ، أي مكان اجتماعهما . والعلماء مختلفون في تعيين " البحرين " المذكورين . فذهب أكثرهم إلى أنهما بحر فارس مما يلي المشرق ، وبحر الروم مما يلي المغرب . وقال محمد بن كعب القرظي " مجمع البحرين " عند طنجة في أقصى بلاد المغرب وروى ابن أبي حاتم من طريق السدى قال هما الكر والرأس حيث يصبان في البحر . وقال ابن عطية " مجمع البحرين " ذراع في أرض فارس من جهة أذربيجان ، يخرج من البحر المحيط من شماله إلى جنوبه ، وطرفيه مما يلي بر الشام . وقيل هما بحر الأردن والقلزم . وعن ابن المبارك قال قال بعضهم بحر أرمينية . وعن أبي بن كعب قال بإفريقية . إلى غير ذلك من الأقوال . ومعلوم أن تعيين " البحرين " من النوع الذي قدمنا أنه لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ، وليس في معرفته فائدة ، فالبحث عنه تعب لا طائل تحته ، وليس عليه دليل يجب الرجوع إليه . وزعم بعض الملاحدة الكفرة المعاصرين أن موسى لم يسافر إلى مجمع البحرين ، بدعوى أنه لم يعرف ذلك في تاريخه - زعم في غاية الكذب والبطلان . ويكفي في القطع بذلك أنه مناقض لقوله تعالى { فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا } الآية . مع التصريح بأنه سفر فيه مشقة وتعب ، وذلك لا يكون إلا في بعيد السفر ، ولذا قال تعالى عن موسى { لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَباً } الكهف 62 . ومعلوم أن ما ناقض القرآن فهو باطل ، لأن نقيض الحق باطل بإجماع العقلاء لاستحالة صدق النقيضين معاً . وقوله في هذه الآية الكريمة { وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَانُ } الكهف 63 قرأه عامة القراء ما عداً حفصاً " أنسانيه " بكسر الهاء . وقرأة حفص عن عاصم " أنسانيه " بضم الهاء .