Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 21-21)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى { قَالَ كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ } . قد قدمنا تفسير هذه الآية مستوفي في قصة زكريا ، فأغنى عن إعادته هنا . وقول جبريل لمريم في هذه الآية { كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ } أي وستلدين ذلك الغلام المبشر به من غير أن يمسك بشر ، وقد أشار تعالى إلى معنى هذه الآية في سورة " آل عمران " في قوله { قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكَ ٱللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } آل عمران 47 . قوله تعالى { وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلْنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً } . ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن من حكم خلقه عيسى من امرأة بغير زوج ليجعل ذلك آية للناس . أي علامة دالة على كمال قدرته . وأنه تعالى يخلق ما يشاء كيف يشاء إن شاء خلقه من أنثى بدون ذكر كما فعل بعيسى . وإن شاء خلقه من ذكر بدون أنثى كما فعل بحواء . كما نص على ذلك في قوله { وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا } النساء 1 أي خلق من تلك النفس التي هي آدم زوجها حواء . وإن شاء خلقه بدون الذكر والأنثى معاً كما فعل بآدم . وإن شاء خلقه من ذكر وأنثى كما فعل بسائر بني آدم . فسبحان الله العظيم القادر على كل شيء ؟ وما ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة من كونه جعل عيسى آية حيث ولدته أمه من غير زوج أشار له أيضاً في " الأنبياء " بقوله { وَجَعَلْنَاهَا وَٱبْنَهَآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ } الأنبياء 91 ، وفي " الفلاح " بقوله { وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً } المؤمنون 50 الآية . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلْنَّاسِ } فيه حذف دل المقام عليه . قال الزمخشري في الكشاف { وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلْنَّاسِ } تعليل معلله محذوف . أي ولنجعله آية للناس فعلنا ذلك . أو هو معطوف على تعليل مضمر ، أي لنبيِّن به قدرتنا ولنجعله آية . ونحوه { وَخَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } الجاثية 22 ، وقوله { وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ } يوسف 21 اهـ . وقوله في هذه الآية { ورحمة منا } أي لمن آمن به . ومن كفر به فلم يبتغ الرحمة لنفسه ، كما قال تعالى في نبينا صلى الله عليه وسلم { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } الأنبياء 107 ، وقوله تعالى { وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً } أي وكان وجود ذلك الغلام منك أمراً مقضياً ، أي مقدراً في الأزل ، مسطوراً في اللوح المحفوظ لا بد من وقوعه ، فهو واقع لا محالة .