Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 24-24)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أولاً أن في هذا الحرف قراءتين سبعيتين قرأه نافع وحفص عن عاصم وحمزة والكسائي { فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ } بكسر الميم على أن " من " حرف جر ، وخفض تاء تحتها ، لأن الظرف مجرور بـ " من " . وقرأه ابن كثير وأبو عمر ، وابن عامر وشعبة عن عاصم ، " فنادها من تحتها " بفتح ميم " من " على أنه اسم موصول هو فاعل نادى ، أن ناداها الذي تحتها . وفتح أي " تحتها " فعلى القراءة الأولى ففاعل النداء ضمير محذوف . وعلى الثانية فالفاعل الاسم الموصول الذي هو " من " . وإذا عرفت هذا فاعلم أن العلماء مختلفون في هذا المنادى الذي ناداها المعبر عنه في إحدى القراءتين بالضمير ، وفي الثانية بالاسم الموصول من هو ؟ فقال بعض العلماء هو عيسى . وقال بعض العلماء هو جبريل . وممن قال إن الذي نادى مريم هو جبريل - ابن عباس ، وعمرو بن ميمون الأودي ، والضحاك ، وقتادة ، والسدي ، وسعيد بن جبير في إحدى الروايتين عنه . وأهل هذا القول قالوا لم يتكلم عيسى حتى أتت به قومها . وممن قال إن الذي نادها هو عيسى عندما وضعته - أبي ، ومجاهد ، والحسن ، ووهب بن منبه ، وسعيد بن جبير في الرواية الأخرى عنه وابن زيد . فإذا علمت ذلك فاعلم أن من قال إنه الملك يقول فناداها جبريل من مكان تحتها ، لأنها على ربوة مرتفعة ، وقد ناداها من مكان منخفض عنها ، وبعض أهل هذا القول يقول كان جبريل تحتها يقبل الولد كما تقبله القابلة . والظاهر الأول على هذا القول . وعلى قراءة " فناداها من تحتها " بفتح الميم وتاء " تحتها " عند أهل هذا القول . فالمعنى فنادها الذي هو تحتها أي في مكان أسفل من مكانها ، أو تحتها يقبل الولد كما تقبل القابلة مع ضعف الاحتمال الأخير كما قدمنا ، أي وهو جبريل فعلى القراءة الأولى على القول " فناداها " هو أي جبريل من تحتها . وعلى القراءة الثانية " فنادها من تحتها " أي الذي تحتها وهو جبريل . وأما على القول بأن المنادى هو عيسى ، فالمعنى على القراءة الأولى فناداها هو أي المولود الذي وضعته من تحتها . لأنه كان تحتها عند الوضع . على القراءة الثانية " فناداها من تحتها " أي الذي تحتها وهو المولود المذكور الكائن تحتها عند الوضع . وممن اختار أن الذي ناداها هو عيسى ابن جرير الطبري في تفسيره ، واستظهره أبو حيان في البحر ، واستظهر القرطبي أنه جبريل . قال مقيدة عفا الله عنه وغفر له أظهر القولين عندي أن الذي ناداها هو ابنها عيسى ، وتدل على ذلك قرينتان الأولى - أن الضمير يرجع إلى أقرب مذكور إلا بدليل صارف عن ذلك يجب الرجوع إليه ، وأقرب مذكور في الآية هو عيسى لا جبريل . لأن الله قال { فَحَمَلَتْهُ } مريم 22 يعني عيسى { فَٱنْتَبَذَتْ بِهِ } مريم 22 أي بعيسى . ثم قال بعده " فناداها " فالذي يظهر ويتبارد من السياق أنه عيسى . والقرينة الثانية - أنها لما جاءت به قومها تحمله ، وقالوا لها ما قالوا أشارت إلى عيسى ليكلموه . كما قال تعالى عنها { فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُواْ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي ٱلْمَهْدِ صَبِيّاً } مريم 29 وإشارتها إليه ليكلموه قرينة على أنها عرفت قبل ذلك أنه يتكلم على سبيل خرق العادة لندائه لها عندما وضعته . وبهذه القرينة الأخيرة استدل سعيد بن جبير في إحدى الروايتين عنه على أنه عيسى . كما نقله عنه غير واحد . و " أن " في قوله " ألاتحزني " هي المفسرة ، فهي بمعنى أي . وضابط " أن " المفسرة أن يتقدمها معنى القول دون حروفه كما هنا . فالنداء فيه بمعنى القول دون حروفه ومعنى كونها مفسرة أن الكلام الذي بعدها هومعنى ما قبلها . فالنداء المذكور قبلها هو لا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا . واختلف العلماء في المراد بالسري هنا . فقال بعض العلماء هو الجدول وهو النهر الصغير . لأن الله أجرى لها تحتها نهراً . وعليه فقوله تعالى { فكلي } أي من الرطب المذكور في قوله { تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً } مريم 25 أي من النهر المذكور في قوله { قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً } وإطلاق السري على الجدول مشهور في كلام العرب . ومنه قول لبيد في معلقته @ فتوسطا عرض السري وصدعا مسجورة متجاوراً قلامها @@ وقول لبيد أيضاً يصف نخلاً نابتاً على ماء النهر @ سحق يمتعها الصفا وسريه عم نواعم بينهن كروم @@ وقول الآخر @ سهل الخليقة ماجد ذو نائل مثل السري تمده الأنهار @@ فقوله " سريه " . وقولهما " السري " بمعنى الجدول . وكذلك قول الراجز @ سلم ترى الدالي منه أزورا إذا يعب في السري هرهرا @@ وقال بعض أهل العلم السري هو عيسى . والسري هو الرجل الذي له شرف مروءة . يقال في فعله سرو بالضم . وسرا - بالفتح - يسرو سروا فيهما . وسري - بالكسر - يسري سري وسراء وسروا إذا شرف . ويجمع السري هذا على أسرياء على القياس ، وسرواء وسراة بالفتح . وعن سيبويه أن السراة - بالفتح - اسم جمع لا جمع . ومنه قول الأفوه الأودي @ لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا @@ ويجمع السراة على سروات . ومنه قول قيس بن الحطين @ وعمرة من سروات النساء تنفح بالمسك أردانها @@ ومن إطلاق السري بمعنى الشريف قول الشاعر @ تلقى السري من الرجال بنفسه وابن السري إذا سرى أسراهما @@ وقوله " أسراهما " أي أشرفهما . قاله في اللسان . قال مقيدة عفا الله عنه وغفر له أظهر القولين عندي أن السري في الآية النهر الصغير ، والدليل على ذلك أمران أحدهما - القرينة من القرآن ، فقوله تعالى { فَكُلِي وَٱشْرَبِي } مريم 26 قرينة على أن ذلك المأكول والمشروب هو ما تقدم الامتنان به في قوله { قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً } ، وقوله { تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً } مريم 25 ، وكذلك قوله تعالى { وَآوَيْنَاهُمَآ إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ } المؤمنون 50 لأن المعين الماء الجاري . والظاهر أن الجدول المعبر عنه بالسري في هذه الآية . والله تعالى أعلم . الأمر الثاني - حديث جاء بذلك عن النَّبي صلى الله عليه وسلم . قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية وقد جاء بذلك حديث مرفوع ، قال الطبراني حدثنا أبو شعيب الحراني ، حدثنا يحيى بن عبد الله البابلي ، حدثنا أيوب بن نهيك ، سمعت عكرمة مولى ابن عباس ، سمعت ابن عمر يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن السري الذي قال الله لمريم { قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً } ، نهر أخرجه الله لها لتشرب منه " وهذا حديث غريب جداً من هذا الوجه . وأيوب بن نهيك هذا هو الحبلى ، قال فيه أبو حاتم الرازي ضعيف . وقال أبو زرعة منكر الحديث . وقال أبو الفتح الأزدي متروك الحديث - انتهى كلام ابن كثير . وقال ابن حجر رحمه الله في " الكافي الشاف ، في تخريج أحاديث الكشاف " في الحديث المذكور أخرجه الطبراني في الصغير ، وابن عدي من رواية أبي سنان سعيد بن سنان ، عن أبي إسحاق ، عن البراء عن النَّبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى { قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً } قال " السري النهر " قال الطبراني لم يرفعه عن أبي إسحاق إلا أبو سنان ، رواه عنه يحيى بن معاوية وهو ضعيف . وأخرجه عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن أبي إسحاق عن البراء موقوفاً . وكذا ذكره البخاري تعليقاً عن وكيع ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق . ورواه ابن مروديه من طريق آدم ، عن إسرائيل كذلك وأخرجه الحاكم من وجه آخر عن أبي إسحاق موقوفاً . وفي الباب عن ابن عمر رضي الله عنهما قال " إن السري الذي قاله لمريم نهر أخرجه الله لتشرب منه " . أخرجه الطبراني وأبو نعيم في الحلية في ترجمة عكرمة عن ابن عمر ، وراويه عن عكرمة أيوب بن نهيك ضعفه أبو حاتم وأبو زرعة - انتهى . فهذا الحديث المرفوع إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم وإن كانت طرقه لا يخلو شيء منها من ضعف - أقرب إلى الصواب من دعوى أن السري عيسى بغير دليل يجب الرجوع إليه . وممن اختار أن السري المذكور في الآية النهر - ابن جرير في تفسيره ، وبه قال البراء بن عازب ، وعلي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس . وعمر بن ميمون ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، والضحاك ، وإبراهيم النخعي ، وقتادة ، والسدي ، ووهب بن منبه وغيرهم . وممن قال إنه عيسى الحسن ، والربيع بن أنس ، ومحمد بن عباد بن جعفر . وهو إحدى الروايتين عن قتادة . وقول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قاله ابن كثير وغيره .