Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 9-9)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا الذي ذكره تعالى في هذه الآية الكريمة - ذكره أيضاً في " آل عمران " في قوله { قَالَ كَذَلِكَ ٱللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ } آل عمران 40 . وقوله في هذه الآية الكريمة " كذلك " للعلماء في إعرابه أوجه الأول - أنه خبر مبتدأ محذوف ، وتقديره ، الأمر كذلك ، ولا محالة أن تلد الغلام المذكور . وقيل ، الأمر كذلك أنت كبير في السن ، وامرأتك عاقر . وعلى هذا فقوله { قال ربك } ابتداء كلام الوجه الثاني - أن " كذلك " في محل نصب بـ " قال " وعليه فالإشارة بقوله " ذلك " إلى مبهم يفسره قوله { هو عليّ هينٌ } ونظيره على هذا القول قوله تعالى { وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ ٱلأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ } الحجر 66 . وغير هذين من أوجه إعرابه تركناه لعدم وضوحه عندنا . وقوله { هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ } أي يسير سهل . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً } أي ومن خلقك ولم تك شيئاً فهو قادر على أن يرزقك الولد المذكور كما لا يخفى . وهذا الذي قاله هنا لزكريا من أنه خلقه ولم يك شيئاً - أشار إليه بالنسبة إلى الإنسان في مواضع أخر . كقوله { أَوَلاَ يَذْكُرُ إلإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً } مريم 67 الآية ، وقوله تعالى { هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } الإنسان 1 . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { وَلَمْ تَكُ شَيْئاً } دليل على أن المعدوم ليس بشيء . ونظيره قوله تعالى { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً } النور 39 ، وهذا هو الصواب . خلافاً للمعتزلة القائلين إن المعدوم الممكن وجوده شيء ، مستدلين لذلك بقوله تعالى { إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } يس 82 قالوا قد سماه الله شيئاً قبل أن يقول له كن فيكون ، وهو يدل على أنه شيء قبل وجوده . ولأجل هذا قال الزمخشري في تفسير هذه الآية لأن المعدوم ليس بشيء . أو ليس شيئاً يعتد به . كقولهم عجبت من لا شيء . وقول الشاعر @ وضاقت الأرض حتى كان هاربهم إذا رأى غير شيء ظنه رجلا @@ لأن مراده بقوله غير شيء ، أي إذا رأى شيئاً تافهاً لا يعتد به كأنه لا شيء لحقارته ظنه رجلاً ، لأن غير شيء بالكلية لا يصح وقوع الرؤية عليه . والتحقيق هو ما دلت عليه هذه الآية وأمثالها في القرآن من أن المعدوم ليس بشيء ؟ والجواب عن استدلالهم بالآية أن ذلك المعدوم لما تعلقت الإرادة بإيجاده ، صار تحقق وقوعه كوقوعه بالفعل ، كقوله { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } النحل 1 ، وقوله { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ } الكهف 99 ، وقوله { وَأَشْرَقَتِ ٱلأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ وَجِـيءَ بِٱلنَّبِيِّيْنَ } الزمر 69 الآية ، وقوله { وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَـفَرُوۤاْ } الزمر 71 ، وقوله { وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ } الزمر 73 الآية ، وأمثال ذلك . كل هذه الأفعال الماضية الدالة على الوقوع بالفعل فيما مضى - أطلقت مراداً بها المستقبل ، لأن تحقق وقوع ما ذكر صيره كالواقع بالفعل . وكذلك تسميته شيئاً قبل وجوده لتحقق وجوده بإرادة الله تعالى . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ } قرأه عامة السبعة ما عدا حمزة والكسائي " خلقتك " بتاء الفاعل المضمومة التي هي تاء المتكلم . وقرأه حمزة والكسائي " وقد خلقناك " بنون بعدها ألف ، وصيغة الجمع فيها للتعظيم .