Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 19-19)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى { أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } الآية الصيب المطر ، وقد ضرب الله في هذه الآية مثلاً لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم بالمطر . لأن بالعلم والهدى حياة الأرواح ، كما أن بالمطر حياة الأجسام . وأشار إلى وجه ضرب هذا المثل بقوله جل وعلا { وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَٱلَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً } الأعراف 58 . وقد أوضح صلى الله عليه وسلم هذا المثل المشار إليه في الآيتين في حديث أبي موسى المتفق عليه ، حيث قال صلى الله عليه وسلم " إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم ، كمثل غيث أصاب أرضاً . فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأَ والعشب الكثير ، وكانت منها أَجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها ، وسقوا وزرعوا ، وأَصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً . فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه الله بما بعثني به ، فعلم وعلَّم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ، ولم يقبل هدى الله الذي أَرسلت به " . قوله تعالى { فِيهِ ظُلُمَاتٌ } . ضرب الله تعالى في هذه الآية المثل لما يعتري الكفار والمنافقين من الشبه والشكوك في القرآن ، بظلمات المطر المضروب مثلاً للقرآن ، وبين بعض المواضع التي هي كالظلمة عليهم . لأنها تزيدهم عمى في آيات أخر لقوله { وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ } البقرة 143 . لأن نسخ القبلة يظن بسببه ضعاف اليقين أن النَّبي صلى الله عليه وسلم ، ليس على يقين من أمره حيث يستقبل يوماً جهة ، ويوماً آخر جهة أخرى ، كما قال تعالى { سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا } البقرة 143 . وصرح تعالى بأن نسخ القبلة كبير على غير من هداه الله وقوى يقينه ، بقوله { وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ } البقرة 143 وكقوله تعالى { وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّؤيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِي ٱلقُرْآنِ } الإسراء 60 لأن ما رآه ليلة الإسراء والمعراج من الغرائب والعجائب كان سبباً لاعتقاد الكفار أنه صلى الله عليه وسلم كاذب . لزعمهم أن هذا الذي أخبر به لا يمكن وقوعه . فهو سبب لزيادة الضالين ضلالاً . وكذلك الشجرة الملعونة في القرآن التي هي شجرة الزقوم . فهي سبب أيضاً لزيادة ضلال الضالين ضلالاً . وكذلك الشجرة الملعونة في القرآن التي هي شجرة الزقوم . فهي سبب أيضاً لزيادة ضلال الضالين منهم . لأن النَّبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ { إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِيۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ } الصافات 64 قالوا ظهر كذبه . لأن الشجر لا ينبت في الأرض اليابسة فكيف ينبت في أصل النار . وكقوله تعالى { وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ } المدثر 31 . لأنه صلى الله عليه وسلم لما قرأ قوله تعالى { عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } المدثر 30 . قال بعض رجال قريش هذا عدد قليل فنحن قادرون على قتلهم ، واحتلال الجنة بالقوة . لقلة القائمين على النار التي يزعم محمد صلى الله عليه وسلم أنا سندخلها . والله تعالى إنما يفعل ذلك اختباراً وابتلاء ، وله الحكمة البالغة في ذلك كله سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً . قوله تعالى { وَرَعْدٌ } . ضرب الله المثل بالرعد لما في القرآن من الزواجر التي تقرع الآذان وتزعج القلوب . وذكر بعضاً منها في آيات أخر كقوله { فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً } فصلت 13 الآية - وكقوله { مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَآ } النساء 47 الآية - وكقوله { إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } سبأ 46 . وقد ثبت في صحيح البخاري في تفسير سورة الطور من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه أنه قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور . فلما بلغ هذه الآية { أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ ٱلْخَالِقُونَ } الطور 35 - إلى قوله - { ٱلْمُسَيْطِرُونَ } الطور 37 كاد قلبي أن يطير . إلى غير ذلك من قوارع القرآن وزواجره ، التي خوفت المنافقين حتى قال الله تعالى فيهم { يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ ٱلْعَدُوُّ } المنافقون 4 ، والآية التي نحن بصددها ، وإن كانت في المنافقين ، فالعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب . قوله تعالى { وَبَرْقٌ } . ضرب تعالى المثل بالبرق لما في القرآن من نور الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة . وقد صرح بأن القرآن نور يكشف الله به ظلمات الجهل والشك والشرك . كما تكشف بالنور الحسي ظلمات الدجى كقوله { وَأَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً } النساء 174 وقوله { وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا } الشورى 52 وقوله { وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ مَعَهُ } الأعراف 157 . قوله تعالى { وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكافِرِينَ } . قال بعض العلماء محيط بالكافرين أي مهلكهم ، ويشهد لهذا القول قوله تعالى { لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ } يوسف 66 أي تهلكوا عن آخركم . وقيل تغلبوا . والمعنى متقارب ، لأن الهالك لا يهلك حتى يحاط به من جميع الجوانب ، ولم يبق له منفذ للسلامة ينفذ منه . وكذلك المغلوب . ومنه قول الشاعر @ أحطنا بهم حتى إذا ما تيقنوا بما قد رأوا مالوا جميعاً إلى السلم @@ ومنه أيضاً بمعنى الهلاك قوله تعالى { وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ } الكهف 42 الآية . وقوله تعالى { وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ } يونس 22 الآية .