Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 106-107)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الضمير في قوله { فَيَذَرُهَا } فيه وجهان معروفان عند العلماء أحدهما أنه راجع إلى الأرض وإن لم يجر لها ذكر . ونظير هذا القول في هذه الآية قوله تعالى { مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ } فاطر 45 ، وقوله { مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ } النحل 61 فالضمير فيهما راجع إلى الأرض ولم يجر لها ذكر . وقد بينا شواهد ذلك من العربية والقرآن بإيضاح في سورة " النحل " فأغنى ذلك عن إعادته هنا . والثاني أنه راجع إلى منابت الجبال التي هي مراكزها ومقارها لأنها مفهومة من ذكر الجبال . والمعنى فيذر مواضعها التي كانت مستقرة فيها من الأرض قاعاً صفصفاً . والقاع المستوى من الأرض . وقيل مستنقع الماء . والصفصف المستوى الأملس الذي لا نبات فيه ولا بناء ، فإنه على صف واحد في استوائه . وأنشد لذلك سيبويه قول الأعشى @ وكم دون بيتك من صفصف ودكداك ومل وأعقادها @@ ومنه قول الآخر @ وملمومة شهباء لو قذفوا بها شماريخ من رضوى إذاً عاد صفصفا @@ وقوله { لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً } أي لا اعوجاج فيها ولا أمت . والأمت النتوء اليسير . أي ليس فيها اعوجاج ولا ارتفاع بعضها على بعض ، بل هي مستوية ، ومن إطلاق الأمت بالمعنى المذكور قول لبيد @ فاجرمزت ثم سارت وهي لاهية في كافر ما به أمت ولا شرف @@ وقول الآخر @ فأبصرت لمحة من رأس عكرشة في كافر ما به أمت ولا عوج @@ والكافر في البيتين قيل الليل . وقيل المطر ، لأنه يمنع العين من رؤية الارتفاع والانحدار في الأرض . وقال الزمخشري في تفسير هذه الآية الكريمة فإن قلت قد فرقوا بين العوج والعوج فقالوا . العوج بالكسر في المعاني والعوج بالفتح في الأعيان . والأرض عين ، فكيف صح فيها المكسور العين ؟ قلت اختيار هذا اللفظ له موقع حسن بديع في وصف الأرض بالاستواء والملاسة ، ونفي الاعوجاج عنها على أبلغ ما يكون . وذلك أنك لو عمدت إلى قطعة أرض فسويتها ، وبالغت في التسوية على عينك وعيون البصراء من الفلاحة ، واتفقتم على أنه لم يبق فيها اعوجاج قط ، ثم استطلعت رأي المهندسين فيها ، وأمرته أن يعرض استواءها على المقاييس الهندسية لعثر فيها على عوج في غير موضع لا يدرك ذلك بحاسة البصر ، ولكن بالقياس الهندسي ، فنفى الله عز وجل ذلك العوج الذي دق ولطف عن الإدراك ، اللهم إلا بالقياس الذي يعرفه صاحب التقدير والهندسة ، وذلك الاعوجاج لما لم يدرك إلا بالقياس دون الإحساس لحق بالمعاني فقيل فيه عوج بالكسر ، والأمت النتوء اليسير ، يقال مد حبله حتى ما فيه أمت . انتهى منه . وقد قدمنا في أول سورة الكهف ما يغني عن هذا الكلام الذي ذكره ، والعلم عند الله تعالى .