Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 120-120)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الوسوسة والوسواس الصوت الخفي . ويقال لهمس الصائد والكلاب ، وصوت الحلي وسواس . والوسوس بكسر الواو الأولى مصدر ، وبفتحها الاسم ، وهو أيضاً من أسماء الشيطان ، كما في قوله تعالى { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ } الناس 4 ويقال لحديث النفس وسواس ووسوسة . ومن إطلاق الوسواس على صوت الحلي قول الأعشى @ تسمع للحلي وسواساً إذا انصرفت كما استعان بريح عشرق زجل @@ ومن إطلاقه على همس الصائد قول ذي الرمة @ فبات يشئزه ثأد ويسهره تذؤب الريح والوسواس والهضب @@ وقول رؤبة @ وسوس يدعو مخلصاً رب الفلق سرا وقد أون تأوين العقق في الزرب لو يمضغ شربا ما بصق @@ وإذا علمت ذلك فاعلم أن قوله تعالى في هذه الآية الكريمة { فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَانُ } أي كلمه كلاماً خفياً فسمعه منه آدم وفهمه . والدليل على أن الوسوسة المذكورة في هذه الآية الكريمة كلام من إبليس سمعه آدم وفهمه أنه فسر الوسوسة في هذه الآية بأنها قول ، وذلك في قوله { فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَانُ قَالَ يٰآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ } الآية . فالقول المذكور هو الوسوسة المذكورة . وقد أوضح هذا في سورة " الأعراف " وبين أنه وسوس إلى حواء أيضاً مع آدم ، وذلك في قوله { فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ } الأعراف 20 إلى قوله { وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ } الأعراف 21 - 22 لأن تصريحه تعالى في آية " الأعراف " هذه بأن إبليس قاسمهما أي حلف لهما على أنه ناصح لهما فيما ادعاه من الكذب دليل واضح على أن الوسوسة المذكورة كلام مسموع . واعلم أن في وسوسة الشيطان إلى آدم إشكالاً معروفاً ، وهو أن يقال إبليس قد أخرج من الجنة صاغراً مذموماً مدحوراً ، فكيف أمكنه الرجوع إلى الجنة حتى وسوس لآدم ؟ والمفسرون يذكرون في ذلك قصة الحية ، وأنه دخل فيها فأدخلته الجنة ، والملائكة الموكلون بها لا يشعرون بذلك . وكل ذلك من الإسرائيليات . والواقع أنه لا إشكال في ذلك ، لإمكان أن يقف إبليس خارج الجنة قريباً من طرفها بحيث يسمع آدم كلامه وهو في الجنة ، وإمكان أن يدخله الله إياها لامتحان آدم وزوجه ، لا لكرامة إبليس . فلا محال عقلاً في شيء من ذلك . والقرآن قد جاء بأن إبليس كلم آدم ، وحلف له حتى غره وزوجه بذلك . وقوله في هذه الآية الكريمة { عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ } أضاف الشجرة إلى الخلد وهو الخلود . لأن من أكل منها يكون في زعمه الكاذب خالداً لا يموت ولا يزول ، وكذلك يكون له في زعمه ملك لا يبلى أي لا يفنى ولا ينقطع . وقد قدمنا أن قوله هنا { وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } يدل لمعنى قراءة من قرأ { إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ } الأعراف 20 بكسر اللام . وقوله { أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ } الأعراف 20 هو معنى قوله في " طه " { هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ } . والحاصل أن إبليس لعنه الله كان من جملة ما وسوس به إلى آدم وحواء أنهما أن أكلا من الشجرة التي نهاهما الله عنها نالا الخلود والملك ، وصارا ملكين ، وحلف لهما أنه ناصح لهما في ذلك ، يريد لهما الخلود والبقاء والملك فدلاهما بغرور . وفي القصة أن آدم لما سمعه يحلف بالله اعتقد من شدة تعظيمه لله أنه لا يمكن أن يحلف به أحد على الكذب ، فأنساه ذلك العهد بالنهي عن الشجرة . تنبيه في هذه الآية الكريمة سؤال معروف ، وهو أن يقال كيف عدى فعل الوسوسة في " طه " بإلى في قوله { فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَانُ } مع أنه عداه في " الأعراف " باللام في قوله { فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ } الأعراف 20 . وللعلماء عن هذا السؤال أجوبة . أحدها أن حروف الجر يخلف بعضها بعضاً . فاللام تأتي بمعنى إلى كعكس ذلك . قال الجوهري في صحاحه وقوله تعالى { فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَانُ } يريد إليهما ، ولكن العرب توصل بهذه الحروف كلها الفعل ا هـ . وتبعه ابن منظور في اللسان . ومن الأجوبة عن ذلك إرادة التضمين ، قال الزمخشري في تفسير هذه الآية فإن قلت كيف عدى " وسوس " تارة باللام في قوله { فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَانُ } الأعراف 20 وأخرى بإلى ؟ قلت وسوسة الشيطان كولولة الثكلى ، ووعوعة الذئب ، ووقوقة الدجاجة ، في أنها حكايات للأصوات ، وحكمها حكم صوت وأجرس . ومنه وسوس المبرسم وهو موسوس بالكسر والفتح لحن . وأنشد ابن الأعرابي @ وسوس يدعو مخلصا رب الفلق … @@ فإن قلت وسوس له . فمعناه لأجله . كقوله @ أجرس لها يا ابن أبي كباش فما لها الليلة من إنفاش غير السرى وسائق نجاش @@ ومعنى { فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ } أنهى إليه الوسوسة . كقوله حدث إليه وأسر إليه ا هـ منه . وهذا الذي أشرنا إليه هو معنى الخلاف المشهور بين البصريين والكوفيين في تعاقب حروف الجرّ . وإتيان بعضها مكان بعض هل هو بالنظر إلى التضمين ، أو لأن الحروف يأتي بعضها بمعنى بعض ؟ وسنذكر مثالاً واحداً من ذلك يتضح به المقصود . فقوله تعالى مثلاً { وَنَصَرْنَاهُ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } الأنبياء 77 الآية ، على القول بالتضمين . فالحرف الذي هو " من " وارد في معناه لكن " نصر " هنا مضمنة معنى الإنجاء والتخليص ، أي أنجيناه وخلصناه من الذين كذبوا بآياتنا . والإنجاء مثلاً يتعدى بمن . وعلى القول الثاني فـ " نصر " وارد في معناه ، لكن " من " بمعنى على ، أي نصرناه على القوم الذين كذبوا الآية ، وهكذا في كل ما يشاكله . وقد قدمنا في سورة " الكهف " أن اختلاف العلماء في تعيين الشجرة ا لتي نهى الله آدم عن الأكل منها اختلاف لا طائل تحته ، لعدم الدليل على تعيينها ، وعدم الفائدة في معرفة عينها . وبعضهم يقول هي السنبلة . وبعضهم يقول هي شجرة الكرم . وبعضهم يقول هي شجرة التين ، إلى غير ذلك من الأقوال .