Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 123-123)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى { قَالَ ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } . الظاهر أن ألف الاثنين في قوله { ٱهْبِطَا } راجعة إلى آدَم وحَوَّاء المذكورين في قوله { فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا } طه 121 الآية ، خلافاً لمن زعم أنها راجعة إلى إبليس وآدم ، وأمْرَه إياهما بالهبوط مِن الجنة المذكور في آية " طه " هذه جاء مُبيناً في غير هذا الموضع . كقوله في سورة " البقرة " { وَقُلْنَا ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ } البقرة 38 ، وقوله في " الأعراف " { قَالَ ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ } الأعراف 24 . وفي هذه الآيات سؤال معروف ، وهو أن يُقال كيف جيء بصيغة الجمع في قوله { ٱهْبِطُواْ } في " البقرة " و " الأعراف " وبصيغة التثنية في " طه " في قوله { ٱهْبِطَا } مع أنه اتَّبع صيغة التثنية في " طه " بصيغة الجمع في قوله { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى } طه 123 وأظهر الأجوبة عندي عن ذلك أن التثنية باعتبار آدم وحَوَّاء فقط ، والجمع باعتبارهما مع ذريتهما . خلافاً لمن زعم أن التثنية باعتبار آدم وإبليس ، والجمع باعتبار معهم ذريتهما معهما ، وخلافاً لمن زعم أن الجمع في قوله { ٱهْبِطُواْ } مراد به آدم وحواء وإبليس والحَية . والدليل على أن الحية ليست مرادة في ذلك هو أنها لا تدخل في قوله { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى } لأنها غير مكلفة . واعلم أن المفسِّرين يذكرون قِصّة الحية ، وأنها كانت ذات قوائم أربع كالبختية من أحسن خلقها الله ، وأن إبليس دخل في فمها فأدخلته الجنة ، فوسوس لآدَم وحوَّاء بعد أن عرض نفسه على كثير من الدواب فلم يدخله إلا الحية . فأهبط هو إلى الأرض ولُعِنَتْ هي وردت قوائمها في جوفها ، وجُعِلَت العداوة بَينها وبين بني آدم ، ولذلك أمروا بقتلها . وبهذه المناسبة ذكر القرطبي رحمه الله في تفسيره في سورة " البقرة " جملاً من أحكام قتل الحيات . فذكر عن ساكنة بنت الجعد أنها روت عن سري بنت نبهان الغنوية أنها سمعت النَّبي صلى الله عليه وسلم يأمر بقتل الحيات صغيرها وكبيرها ، وأسودها وأبيضها ، ويرغِّب في ذلك . ثم ذكر عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن أبي عبيدة بن عبدالله بن مسعود حديثاً فيه أن النَّبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بقتل حية فسبقتهم إلى جحرها . فأمرهم أن يضرموا عليها ناراً . وذكر عن علماء المالِكية أنهم خصّصوا بذلك النهي عن الإحراق بالنار ، وعن أن يُعذب أحد بعذاب الله . ثم ذكر عن إبراهيم النخعي أنه كره أن تحرق العقرب بالنار ، وقال هو مثله . وأجاب عن ذلك بأنه يحتمل أنه لم يبلغه الخبر المذكور . ثم ذكر " حديث عبدالله بن مسعود الثابت في الصحيحين قال كنا مع النَّبي صلى الله عليه وسلم في غار ، وقد أنزلت عليه { وَٱلْمُرْسَلاَتِ عُرْفاً } المرسلات 1 فنحن نأخذها من فيه رطبة ، إذ خرجَتْ علينا حية فقال اقْتُلُوها ، فابتدرناها لِنَقْتُلها ، فسبقَتْنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وقاها الله شرَّكم كما وقاكُم شرَّها " فلم يضرم ناراً ، ولا احتال في قتلها ، وأجاب هو عن ذلك ، بأنه يحتمل أنه لم يجد ناراً في ذلك الوقت ، أو لم يكن الجحر بهيئة ينتفع بالنار هناك ، مع ضرر الدخان وعدم وصوله إلى الحية . ثم ذكر أن الأمر بقتل الحيات من الإرشاد إلى دفع المضرة المخوفة من الحيات ثم ذكر أن الأمر بقتل الحيات عام في جميع أنواعها إن كانت غير حيات البيوت ، ثم ذكر فيما خرجه أبو داود من حديث عبدالله بن مسعود " اقتلوا الحيات كلهن ، فمن خاف ثأرهن فليس مني " ثم ذكر أن حيات البيوت لا تقتل حتى تؤذن ثلاثة أيام . لحديث " إن بالمدينة جناً قد أسلموا ، فإذا رأيتم منهم شيئاً فآذنوه ثلاثة أيام " ثم ذكر أن بعض العلماء خص ذلك بالمدينة دون غيرها . لحديث " إن بالمدينة جنا قد أسلموا " قالوا ولا نعلم هل أسلم من جن غير المدينة أحداً أو لا . قاله ابن نافع . ثم ذكر عن مالك النهي عن قتل جنان البيوت في جميع البلاد . ثم قال وهو الصحيح . لأن الله عزّ وجل قال { وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقُرْآنَ } الأحقاف 29 الآية . وفي صحيح مسلم عن عبدالله بن مسعود عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال " أتاني داعي الجن فذهبت معهم فقرأت عليهم القرآن وفيه وسألوه الزاد وكانوا من جن الجزيرة " وسيأتي بكماله في سورة " الجن " إن شاء الله تعالى . وإذا ثبت هذا فلا يقتل شيء منها حتى يخرج عليه وينذر ، على ما يأتي بيانه إن شاء الله . ثم قال " روى الأئمة عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة أنه دخل على أبي سعيد الخدري في بيته ، قال فوجدته يصلي فجلست أنتظره حتى يقضي صلاته ، فسمعت تحريكاً في عراجين ناحية البيت ، فالتفت فإذا حية فوثبت لأقتلها فأشار إلَي أن أجلس فجلست ، فلما انصرف أشار إلى بيت في الدار فقال أترى هذا البيت ؟ فقلت نعم . قال كان فيه فتى منا حديث عهد بعرس ، قال فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق ، فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنصاف النهار فيرجع إلى أهله ، فاستأذنه يوماً فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " خُذ عليك سلاحَك ، فإنَّني أخْشَى عليك قُريظة " فأخذ الرجل سلاحه ثم رجع ، فإذا امرأته بين البابين قائمة ، فأهوى إليها بالرمح ليطعنها به وأصابته غيرة . فقالت له اكفُف عليك رمحك ، وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني ، فدخل فإذا بحية عظيمة مُنطوية على الفراش ، فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به ، ثم خرج فركزه في الدار فاضطربت عليه ، فما يدري أيُّهما كان أسرع موتاً الحية أم الفتى . قال فجئنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له ، وقلنا أدع الله يحيه لنا فقال " استغفروا لأخيكم ثم قال إن بالمدينة جناً قد أسلموا ، فإذا رأيتم منهم شيئاً فأذنوه ثلاثة أيام فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان " . وفي طريق أخرى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن لهذه البيوت عوامر ، فإذا رأيتم شيئاً منها فحرِّجوا عليها ثلاثاً ، فإن ذهب وإلا فاقتلوه فإنه كافر وقال لهم اذهبوا فادفنوا صاحبكم " ثم قال قال علماؤنا رحمة الله عليهم لا يفهم من هذا الحديث أن هذا الجان الذي قتله الفتى كان مسلماً ، وأن الجن قتلته به قصاصاً . لأنه لو سلم أن القصاص مشروع بيننا وبين الجن لكان إنما يكون في اعلمد المحض ، وهذا الفتى لم يقصد ولم يتعمد قتل نفس مسلمة إذ لم يكن عنده علم من ذلك ، وإنما قصد إلى قتل ما سُوغ قتل نوعه شرعاً ، فهذا قتل خطأ ولا قصاص فيه . فالأولى أن يقال إن كفار الجن أو فسقتهم قتلوا الفتى بصاحبهم عدْواً وانتقاماً . وقد قَتلت سعد بن عبادة رضي الله عنه ، وذلك أنه وجد ميتاً في مغتسله وقد اخضر جسده ، ولم يشعروا بموته حتى سمعوا قائلاً يقول ولا يرون أحداً @ قد قتلنا سيد الخز رج سعد بن عُباده ورميناه بسهمين فلم تُخْطِ فُؤاده @@ وإنما قال النَّبي صلى الله عليه وسلم " إن بالمدينة جناً قد أسلموا " ليبين طريقاً يحصل به التحرز من قتل المسلم منهم ، ويتسلط به على قتل الكافر منهم . وروي من وجوه أن عائشة زوج النَّبي صلى الله عليه وسلم قَتَلت جاناً . فأُريت في المنام أن قائلاً يقول لها لقد قتلتِ مُسلماً . فقالت لو كان مُسلما لم يدخل على أزواج النَّبي صلى الله عليه وسلم . قال ما دخل عليك إلا وعليك ثيابك . فأصبحت فأمرت باثني عشر ألف درهم فجُعلت في سبيل الله . وفي رواية ما دخل عليك إلا وأنت مستترة . فتصدقت وأعتقت رقاباً . وقال الربيع بن بدر الجان من الحيات التي نهى النَّبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها هي التي تمشي ولا تلتوي . وعن علقمة نحوه . ثم ذكر صفة إنذار حيات البيوت فقال قال مالك أحب إلي أن ينذروا ثلاثة أيام . وقاله عيسى بن دينار وإن ظهر في اليوم مراراً ، ولا يقتصر على إنذاره ثلاث مرات في يوم واحد حتى يكون في ثلاثة أيام . وقيل يكفي ثلاث مرار . لقوله صلى الله عليه وسلم " فليؤذنه ثلاثاً " ، وقوله " حرجوا عليه ثلاثاً " ولأن ثلاثاً للعدد المؤنث ، فظهر أن المراد ثلاث مرات . وقول مالك أولى لقوله صلى الله عليه وسلم " ثلاثة أيام " وهو نص صحيح مقيد لتلك المطلقات ، ويحمل ثلاثاً على إرادة ليالي الأيام الثلاث ، فغلب الليلة على عادة العرب في باب التاريخ ، فإنها تغلب فيها التأنيث . قال مالك ويكفي في الإنذار أن يقول أحرج عليك بالله واليوم الآخر ألا تبدو لنا ولا تؤذونا . وذكر ثابت البُناني ، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى أنه ذكر عنده حيات البيوت فقال إذا رأيتم منها شيئاً في مساكنكم فقولوا أنشدكم بالعهد الذي أخذ عليكم نوح عليه السلام ، وأنشدكم بالعهد الذي أخذ عليكم سليمان عليه السلام ، فإذا رأيتم منهن شيئاً بعد فاقتلوه . ثم قال وقد حكى ابن حبيب عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه يقول " أنشدكن بالعهد الذي أخذ عليكن سليمان عليه السلام ألا تؤذونا ولا تظهرن علينا " انتهى كلام القرطبي ملخصاً قريباً من لفظه . قال مقيده عفا الله عنه وغفر له التحقيق في هذه المسألة أن ما لم يكن من الحيات في البيوت فإنه يُقتل كالحيات التي توجد في الفيافي ، وأن حيات البيوت لا تُقتل إلا بعد الإنذار . وأظهر القولين عندي عموم الإنذار في المدينة وغيرها ، وأنه لا بد من الإنذار ثلاثة أيام ، ولا تكفي ثلاث مرات في يوم أو يومين ، كما تقدمت أدلة ذلك في كلام القرطبي . وأن الأبتر وذا الطفيتين يقتلان في البيوت بلا إنذار . لما ثبت في بعض روايات مسلم بلفظ فقال أبو لبابة إنه قد نُهي عنهنَّ يريد عوامر البيوت وأُمر بقتل الأبتر ذي الطُّفْيَتَيْن . وفي رواية في صحيح البخاري عن أبي لبابة " لا تقتلوا الجنان إلا كلُّ أبتر ذي طُفيتين ، فإنه يُسقط الولد ، ويُذهب البَصَر فاقتلوه " . والدليل على قتل الحيات وإنذار حيات البيوت ثابت في الصحيحين وغيرهما . قال البخاري في صحيحه حدثنا عبدالله بن محمد ، حدثنا هشام بن يوسف حدثنا معمر عن الزهري ، عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع النَّبي صلى الله لعيه وسلم يخطب على المنبر يقول " اقتلوا الحيَّات واقتلوا ذا الطُّفيتين والأبتر . فإنهما يَطْمِسان البصر ، ويَسْتَسْقطان الحَبَل " قال عبدالله فبينا أنا أطارد حيّة لأقتلها فناداني أبو لُبابة لا يقتلها . فقلت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر بقتل الحيات ؟ فقال إنه نهى بعد ذلك عن ذوات البيوت ، وهي العوامر . وقال عبدالرزاق عن معمر فرآني أبو لُبابة أو زَيد بن الخطاب ، وتابعه يونُس وابن عُيَيْنة وإسحاق الكَلْبي والزُّبَيْدي ، وقال صالح وابن أبي حَفْصَة وابن مُجمِّع عن الزهري عن سالم عن ابن عمر فرآني أبو لبابة وزيد بن الخطاب ا هـ من صحيح البخاري رحمه الله تعالى . وقال مسلم بن الحجاج رحمه الله في صحيحه وحدثني عمرو بن محمد الناقد ، حدثنا سفيان بن أبي عُيَيْنة عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم " اقتلوا الحيّات وذا الطُّفيتين والأبتر ، فإنهما يَسْتَسْقِطانْ الحَبَل ويلتمسان البصر " قال فكان ابن عمر يقتل كل حية وجدها . فأبصره أبو لُبابة بن عبد المنذر ، أو زيد بن الخطاب وهو يطارد حيّة فقال إنه قد نهى عن ذوات البيوت . ثم ذكره من طرق متعددة . وفي كلها التصريح بالنهي عن قتل جنان البيوت يعني إلا بعد الإنذار ثلاثاً . وعن مالك رحمه الله يقتل ما وجد منها بالمساجد . وقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث " وذا الطُّفْيَتين " هو بضم الطاء المهملة وإسكان الفاء بعدها ياء . وأصل الطُفيْة خوصة المقل وهو شجر الدوم . وقيل المقل ثم شجر الدوم . وجمعها طُفَى بضم اففتح على القياس . والمراد بالطُّفْيتين في الحديث خَطَّان أبيضان . وقيل أسودان على ظهر الحية المذكورة ، يشبهان في صورتها خوص المقل المذكور . والأبتر قصير الذنب من الحيات وقال النضير بن شميل هو صنف من الحيات أزرق مقطوع الذنب ، لا تنظر إليه حامل إلا ألقت ما في بطنها . وقال الداودي هو الأفعى التي تكون قدر شبر أو أكثر قليلاً وقوله في هذا الحديث " يَسْتَسْقطَان الحَبَل " معناها أن المرأة الحامل إذا نظرت إليهما وخافت أسقطت جنينها غالباً . وقد ذكر مسلم عن الزهري ما يدل على أن إسقاط الحبل المذكور خاصية فيهما من سمهما . والأظهر في معنى " يلتمسان البصر " أن الله جعل فيهما من شدة سمهما خاصية يخطفان بها البصر ، ويطمسانه بها بمجرد نظرهما إليه . والقول بأن معناه أنهما يقصدان البصر باللسع والنهش ضعيف . والعلم عند الله تعالى . وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه " اقتلوا الحيات " يدل على وجوب قتلها . لما قدمنا من أن صيغة الأمر المجردة عن القرائن تدل على الوجوب . والجمهور على أن الأمر بذلك القتل المذكور للندب والاستحباب ، والله تعالى أعلم . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } على ما ذكرنا أنه الأظهر . فالمعنى أن بعض بني آدم عدو لبعضهم . كما قال تعالى { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ } الأنعام 65 ونحوها من الآيات . وعلى أن المراد بقوله { ٱهْبِطَا } آدم وإبليس ، فالمعنى أن إبليس وذرِّيته أعداء لآدم وذريته . كما قال تعالى { أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ } الكهف 50 ونحوها من الآيات . والظاهر أن ما ذكره القرطبي من إحراق الحية بالنار لم يثبت ، وأنه لا ينبغي أن يعذب بعذاب الله ، فلا ينبغي أن تقتل بالنار ، والله أعلم . فإن قيل الحديث المذكور يدل على أن ذا الطُّفْيتين غير الأبتر لعطفه عليه في الحديث ، ورواية البخاري التي قدمنا عن أبي لُبابة " لا تقتلوا الجنان إلا كل أبتر ذي طفيتين " يقتضي أنهما واحد ؟ فالجواب أن ابن حجر في الفتح أجاب عن هذا . بأن الرواية المذكورة ظاهرها اتحادهما ، ولكنها لا تنفي المغايرة ا هـ . والظاهر أن مراده بأنها لا تنفي المغايرة أن الأبتر وإن كان ذا طُفيتين فلا ينافي وجود ذي طفيتين غير الأبتر . والله تعالى أعلم . قوله تعالى { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ } . الظاهر أن الخطاب لبني آدم . أي فإن يأتكم مني هُدَى أي رسول أرسله إليكم ، وكتاب يأتي به رسول ، فمن اتبع منكم هداي أي من آمن برسلي وصدق بكتبي ، وامتثل ما أمرت به ، واجتنب ما نهيت عنه على ألسنة رسلي . فإنه لا يضل في الدنيا ، أي لا يزيغ عن طريق الحق لاستمساكه بالعُروة الوثقى ، ولا يشقى في الآخرة لأنه كان في الدنيا عاملاً بما يستوجب السعادة من طاعة الله تعالى وطاعة رسله . وهذا المعنى المذكور هنا ذُكر في غير هذا الموضع . كقوله في " البقرة " { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } البقرة 28 ونحو ذلك من الآيات . وفي هذه الآيات دليل على أن الله بعد أن أخرج أبوينا من الجنة لا يرد إليها أحداً منا إلا بعد الابتلاء والامتحان بالتكاليف من الأوامر والنواهي ، ثم يطيع الله فيما ابتلاه به . كما تقدمت الإشارة إليه في سورة " البقرة " .