Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 85-85)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الظاهر أن الفتنة المذكورة هي عبادتهم العجل . فهي فتنة إضلال . كقوله { إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهْدِي مَن تَشَآءُ } الأعراف 155 . وهذه الفتنة بعبادة العجل جاءت مبينة في آيات متعددة . كقوله { وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ } البقرة 51 ونحو ذلك من الآيات . قوله هنا { وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِيُّ } أوضح كيفية إضلاله لهم في غير هذا الموضع . كقوله { وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ } إلى قوله { ٱتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ } الأعراف 148 أي اتخذوه إلهاً وقد صنعه السامري لهم من حلي القبط فأضلهم بعبادته . وقوله هنا { فَكَذَلِكَ أَلْقَى ٱلسَّامِرِيُّ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ فَقَالُواْ هَـٰذَآ إِلَـٰهُكُمْ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ } طه 87 - 88 والسامري قيل اسمه هارون ، وقيل اسمه موسى بن ظفر ، وعن ابن عباس أنه من قوم كانوا يعبدون البقر . وقيل كان رجلاً من القبط . وكان جاراً لموسى آمن به وخرج معه . وقيل كان عظيماً من عظماء بني إسرائيل من قبيلة تعرف بالسامرة وهم معروفون بالشام . قال سعيد بن جبير كان من أهل كرمان . والفتنة أصلها في اللغة وضع الذهب في النار ليتبين أهو خالص أم زائف . وقد أطلقت في القرآن إطلاقات متعددة منها الوضع في النار ، كقوله { يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ } الذاريات 13 أي يحرقون بها ، وقوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } البروج 10 الآية . أي أحرقوهم بنار الأخدود . ومنها الاختبار وهو الأغلب في استعمال الفتنة . كقوله { أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ } الأنفال 28 الآية ، وقوله { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } الجن 16 - 17 . ومنها نتيجة الاختبار إذا كانت سيئة . ومن هنا أطلقت الفتنة على الشرك ، كقوله { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } البقرة 193 ، وقوله هنا { فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ } الآية . ومنها الحجة ، كقوله { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } الأنعام 23 أي لم تكن حجتهم . وقوله تعالى في هذه الآية { وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِيُّ } أسند إضلالهم إليه ، لأنه هو الذي تسبب فيه بصياغته لهم العجل من حلي القبط ورميه عليه التراب الذي مسه حافر الفرس التي جاء عليها جبريل ، فجعله الله بسبب ذلك عجلاً جسداً له خوار ، كما قال تعالى في هذه السورة الكريمة { فَكَذَلِكَ أَلْقَى ٱلسَّامِرِيُّ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ } طه 87 - 88 ، وقال في " الأعراف " { وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ } الأعراف 148 الآية . والخوار صوت البقر . قال بعض العلماء جعل الله بقدرته ذلك الحلي المصوغ جسداً من لحم ودم ، وهذا هو ظاهر قوله { عِجْلاً جَسَداً } . وقال بعض العلماء لم تكن تلك الصورة لحماً ولا دماً ، ولكن إذا دخلت فيها لاريح صوتت كخوار العجل . والأول أقرب لظاهر الآية ، والله تعالى قادر على أن يجعل الجماد لحماً ودماً ، كما جعل آدم لحماً ودماً وكان طيناً .