Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 92-93)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى { قَالَ يٰهَرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوۤاْ أَلاَّ تَتَّبِعَنِ } . قال بعض أهل العلم " لا " في قوله { أَلاَّ تَتَّبِعَنِ } زائدة للتوكيد . واستدل من قال ذلك بقوله تعالى في " الأعراف " { قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ } الأعراف 12 قال لأن المراد ما منعك أن تسجد إذ أمرتك . بدليل قوله في القصة بعينها في سورة " ص " { قَالَ يٰإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } ص 75 الآية ، وقوله تعالى { لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّن فَضْلِ ٱللَّهِ } الحديد 29 الآية . أي ليعلم أهل الكتاب ، وقوله { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ } النساء 65 أي فوربك لا يؤمنون ، وقوله { وَلاَ تَسْتَوِي ٱلْحَسَنَةُ وَلاَ ٱلسَّيِّئَةُ } فصلت 34 أي والسيئة ، وقوله { وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } الأنبياء 95 على أحد القولين ، وقوله { وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } الأنعام 109 على أحد القولين ، وقوله { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ } الأنعام 151 الآية على أحد الأقوال فيها . ونظير ذلك من كلام العرب قول امرئ القيس @ فلا وأبيك ابنة العامري لا يدعي القوم أني أفر @@ يعني فوأبيك . وقول أبي النجم @ فما ألوم البيض ألا تسخرا لما رأين الشمط القفندرا @@ يعني أن تسخر ، وقول الآخر @ ما كان يرضى رسول الله دينهم والأطيبان أبو بكر ولا عمر @@ يعني وعمر . وقول الآخر @ وتلحينني في اللهو ألا أحبه وللهو داع دائب غير غافل @@ يعني أن أحبه ، و " لا " مزيدة في جميع الأبيات لتوكيد الجحد فيها . وقال الفراء إنها لا تزاد إلا في الكلام الذي فيه معنى الجحد كالأمثلة المتقدمة . والمراد بالجحد النفي وما يشبهه كالمنع في قوله { مَا مَنَعَكَ } ونحو ذلك . والذي يظهر لنا والله تعالى أعلم . أن زيادة لفظة " لا " لتوكيد الكلام وتقويته أسلوب من أساليب اللغة العربية ، وهو في الكلام الذي فيه معنى الجحد أغلب مع أن ذلك مسموع في غيره . وأنشد الأصمعي لزيادة " لا " قول ساعدة الهذلي @ أفعنك لا برق كان وميضه غاب تسنمه ضرام مثقب @@ ويروى " أفمنك " بدل " أفعنك " بدل " تسنمه " يعين أعنك برق و " لا " زائدة للتوكيد والكلام ليس فيه معنى الجحد . ونظيره قول ا لآخر @ تذكرت ليلى فاعترتني صبابة وكاد صميم القلب لا يتقطع @@ يعني كاد يتقطع . وأنشد الجوهري لزيادة " لا " قول العجاج @ في بئر لا حور سرى وما شعر بإفكه حتى رأى الصبح جشر @@ والحور الهلكة . يعني في بئر هلكة ولا زائدة للتوكيد . قاله أبو عبيدة وغيره . والكلام ليس فيه معنى الجحد . وقد أوضحنا هذه المسألة في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب في سورة " البلد " . قوله تعالى { أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي } . الظاهر أن أمره المذكور في هذه الآية هو المذكور في قوله تعالى { وَقَالَ مُوسَىٰ لأَخِيهِ هَارُونَ ٱخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ } الأعراف 142 . وهذه الآية الكريمة تدل على اقتضاء الأمر للوجوب . لأنه أطلق اسم المعصية على عدم امتثال الأمر ، والنصوص الدالة على ذلك كثيرة كقوله تعالى { فَلْيَحْذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } النور 63 ، وقوله { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } الأحزاب 36 فجعل أمره وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم مانعاً من الاختيار ، موجباً للامتثال . وقوله تعالى { مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ } الأعراف 12 فوبخه هذا التوبيخ الشديد على عدم امتثال الأمر المدلول عليه بصيغة أفعل في قوله تعالى { ٱسْجُدُواْ لآدَمَ } البقرة 34 . وجماهير الأصوليين على أن صيغة الأمر المجردة عن القرائن تقتضي الوجوب للأدلة التي ذكرنا وغيرها مما هو مماثل لها . وإلى ذلك أشار في مراقي السعود بقوله @ وافعل لدى الأكثر للوجوب وقيل للندب أو المطلوب @@ الخ .