Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 94-94)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن هارون قال لأخيه موسى { يٰٱبْنَأُمِّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي } وذلك يدل على أنه لشدة غضبه أراد أن يمسك برأسه ولحيته . وقد بين تعالى في " الأعراف " أنه أخذ برأسه يجره إليه . وذلك في قوله { وَأَلْقَى ٱلأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ } الأعراف 150 . وقوله { وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي } من بقية كلام هارون . أي خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ، وأن تقول لي لم ترقب قولي ! أي لم تعمل بوصيتي وتمتثل أمري . تنبيه هذه الآية الكريمة بضميمة آية " الأنعام " إليها تدل على لزوم إعفاء اللحية ، فهي دليل قرآني على إعفاء اللحية وعدم حلقها . وآية الأنعام المذكورة هي قوله تعالى { وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ } الأنعام 84 الآية . ثم إنه تعالى قال بعد أن عد الأنبياء الكرام المذكورين { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } الأنعام 90 فدل ذلك على أن هارون من الأنبياء الذين أمر نبينا صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهم ، وأمره صلى الله عليه وسلم بذلك أمر لنا . لأن أمر القدوة أمر لأتباعه ! كما بينا إيضاحه بالأدلة القرآنية في هذا الكتاب المبارك في سورة " المائدة " وقد قدمنا هناك أنه ثبت في صحيح البخاري أن مجاهداً سأل ابن عباس من أين أخذت السجدة في " ص " قال أو ما تقرأ { وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ } الأنعام 84 { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } الأنعام 90 فسجدها داود فسجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا علمت بذلك أن هارون من الأنبياء الذين أمر نبينا صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهم في سورة " الأنعام " ، وعلمت أن أمره أمر لنا . لأن لنا فيه الأسوة الحسنة ، وعلمت أن هارون كان موفراً شعر لحيته بدليل قوله لأخيه { لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي } لأنه لو كان حالقاً لما أراد أخوه الأخذ بلحيته تبين لك من ذلك بإيضاح أن إعفاء اللحية من السمت الذي أمرنا به في القرآن العظيم ، وأنه كان سمت الرسل الكرام صلوات الله وسلامه عليهم . والعجب من الذين مضخت ضمائرهم ، واضمحل ذوقهم ، حتى صاروا يفرون من صفات الذكورية ، وشرف الرجولة ، إلى خنوثة الأنوثة ، ويمثلون بوجوههم بحلق أذقانهم ، ويتشبهون بالنساء حيث يحاولون القضاء على أعظم الفوارق الحسية بين الذكر والأنثى وهو اللحية . وقد كان صلى الله عليه وسلم كث اللحية ، وهو أجمل الخلق وأحسنهم صورة . والرجال الذين أخذوا كنوز كسرى وقيصر ، ودانت لهم مشارق الأرض ومغاربها ليس فيهم حالق . نرجو الله أن يرينا وإخواننا المؤمنين الحق حقاً ، ويرزقنا اتباعه ، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه . أما الأحاديث النبوية الدالة على إعفاء اللحية ، فلسنا بحاجة إلى ذكرها لشهرتها بين الناس ، وكثرة الرسائل المؤلفة في ذلك . وقصدنا هنا أن نبين دليل ذلك من القرآن . وإنما قال هارون لأخيه { قَالَ يٰٱبْنَأُمِّ } لأن قرابة الأم أشد عطفاً وحناناً من قرابة الأب . وأصله . يا بنؤمي بالإضافة إلى ياء المتكلم ، ويطرد حذف الياء وإبدالها ألفاً وحذف الألف المبدلة منها كما هنا ، وإلى ذلك أشار في الخلاصة بقوله @ وفتح أو كسر وحذف اليا استمر في يا بنؤم يا بن عم لا مفر @@ وأما ثبوت ياء المتكلم في قول حرملة بن المنذر @ يا بنؤمي ويا شقيق نفسي أنت خليتني لدهر شديد @@ فلغة قليلة . وقال بعضهم هو لضرورة الشعر . وقوله " يا بنؤم " قرأه ابن عامر وشعبة عن عاصم وحمزة والكسائي بكسر الميم . وقرأه الباقون بفتحها . وكذلك قوله في " الأعراف " { قَالَ ٱبْنَ أُمَّ إِنَّ ٱلْقَوْمَ } الأعراف 150 الآية .