Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 44-44)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى { بَلْ مَتَّعْنَا هَـٰؤُلاۤءِ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ طَالَ عَلَيْهِمُ ٱلْعُمُرُ } . الظاهر أن الإضراب . { بَلْ } في هذه الآية الكريمة انتقالي . والإشارة في قوله { هَـٰؤُلاۤءِ } راجعة إلى المخاطبين من قبل في قوله { قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ مِنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ } الأنبياء 42 الآية ، وهم كفَّار قريش ، ومن اتخذ آلهة من دون الله . والمعنى أنه متَّع هؤلاء الكفار وآباءهم قبلهم بما رزقهم من نعيم الدنيا حتى طالت أعمارهم في رخاء ونعمة ، فحملهم ذلك على الطغيان واللجاج في الكفر . وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أنه تعالى يمهل الكفار ويملي لهم في النعمة ، وأن ذلك يزيدهم كُفراً وضلالاً جاء موضحاً في مواضع كثيرة من كتاب الله تعالى ، كقوله { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوۤاْ إِثْمَاً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } آل عمران 178 ، وقوله تعالى { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } الأعراف 182 - 183 ، وقوله تعالى { قَالُواْ سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ وَلَـٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذِّكْرَ وَكَانُواْ قَوْماً بُوراً } الفرقان 18 ، وقوله تعالى { بَلْ مَتَّعْتُ هَـٰؤُلاَءِ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ وَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ } الزخرف 29 - 30 والآيات بمثل ذلك كثيرة . والعمر يطلق على مدة العيش . قوله تعالى { أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ أَفَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } . في معنى إتيان الله الأرض ينقصها من أطرافها في هذه الآية الكريمة أقوال معروفة للعلماء وبعضها تدل له قرينة قرآنية قال بعض العلماء نقصها من أطرافها موت العلماء ، وجاء في ذلك حديث مرفوع عن أبي هريرة . وبعد هذا القول عن ظاهر القرآن بحسب دلالة السياق ظاهر كما ترى . وقال بعض أهل العلم نقصها من أطرافها خرابها عند موت أهلها . وقال بعض أهل العلم نقصها من أطرافها هو نقص الأنفس والثمرات ، إلى غير ذلك من الأقوال ، وأما القول الذي دلت عليه القرينة القرآنية فهو أن معنى { نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ } أي ننقص أرض الكفر ودار الحرب ، ونحذف أطرافها بتسليط المسلمين عليها وإظهارهم على أهلها ، وردها دار إسلام . والقرينة الدالة على هذا المعنى هي قوله بعده { أَفَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } . والاستفهام لإنكار غلبتهم . وقيل لتقريرهم بأنهم مغلوبون لا غالبون ، فقوله { أَفَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } دليل على أن نقص الأرض من أطرافها سبب لغلبة المسلمين للكفار ، وذلك إنما يحصل بالمعنى المذكور . ومما يدل لهذا الوجه قوله تعالى { وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ ٱللَّهِ } الرعد 31 على قول من قال إن المراد بالقارعة التي تصيبهم سرايا النَّبي صلى الله عليه وسلم تفتح أطراف بلادهم ، أو تحل أنت يا نبي الله قريباً من دارهم . وممن يروى عنه هذا القول ابن عباس وأبو سعيد وعكرمة ومجاهد وغيرهم . وهذا المعنى الذي ذكر الله هنا ذكره في آخر سورة " الرعد " أيضاً في قوله { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَٱللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } الرعد 41 . وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير آية " الأنبياء " هذه إن أحسن ما فُسِّر به قوله تعالى { أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ } الأنبياء 44 هو قوله تعالى { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلْقُرَىٰ وَصَرَّفْنَا ٱلآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } الأحقاف 27 . قال مقيده عفا الله عنه وغفر له ما ذكره ابن كثير رحمه الله صواب ، واستقراء القرآن العظيم يدل عليه . وعليه فالمعنى أفلا يرى كفار مكة ومن سار سيرهم في تكذيبك يا نبي الله ، والكفر بما جئت به { أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ } أي بإهلاك الذين كذبوا الرسل كما أهلكنا قوم صالح وقوم لوط ، وهم يمرون بديارهم . وكما أهلكنا قوم هود ، وجعلنا سبأ أحاديث ومزقناهم كل مُمَزَّق كل ذلك بسبب تكذيب الرسل ، والكفر بما جاءوا به . وهذا هو معنى قوله { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلْقُرَىٰ } الأحقاف 27 كقوم صالح وقوم لوط وقوم هود وسبأ ، فاحذروا من تكذيب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم . لئلا ننزل بكم مثل ما أنزلنا بهم . وهذا الوجه لا ينافي قوله بعده { أَفَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } والمعنى أن الغلبة لحزب الله القادر على كل شيء ، الذي أهلك ما حولكم من القرى بسبب تكذيبهم رسلهم ، وأنتم لستم بأقوى منهم ، ولا أكثر أموالاً ولا أولاداً . كما قال تعالى { أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ } الدخان 37 الآية . وقال تعالى { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوۤاْ أَكْـثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي ٱلأَرْضِ فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } غافر 82 ، وقال تعالى { أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوۤاْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُواْ ٱلأَرْضَ وَعَمَرُوهَآ } الروم 9 الآية . إلى غير ذلك من الآيات . وإنذار الذين كذبوه صلى الله عليه وسلم بما وقع لمن كذب من قبله من الرسل كثير جداً في القرآن . وبه تعلم اتجاه ما استحسنه ابن كثير رحمه الله من تفسير آية " الأنبياء " هذه بآية " الأحقاف " المذكورة كما بينا . وقال الزمخشري في تفسير هذه الآية الكريمة فإن قلت أي فائدة في قوله { نَأْتِي ٱلأَرْضَ } ؟ قلت فيه تصوير ما كان الله يجريه على أيدي المسلمين ، وأن عساكرهم وسراياهم كانت تغزو أرض المشركين ، وتأتيها غالبة عليها ناقصة من أطرافها ا هـ منه . والله جل وعلا أعلم .