Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 47-47)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه يضع الموازين القسط ليوم القيامة . فتوزن أعمالهم وزناً في غاية العدالة والإنصاف فلا يظلم الله أحداً شيئاً ، وأن عمله من الخير أو الشر ، وإن كان في غاية القلة والدقة كمثقال حبة من خردل ، فإن الله يأتي به . لأنه لا يخفى عليه شيء وكفى به جل وعلا حاسباً . لإحاطة علمه بكل شيء . وبين في غير هذا الموضع أن الموازين عند ذلك الوزن منها ما يخف ، ومنها ما يثقل . وأن من خفت موازينه هلك ، ومن ثقلت موازينه نجا . كقوله تعالى { وَٱلْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـۤئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ } الأعراف 8 - 9 وقوله تعالى { فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فأُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ } المؤمنون 101 - 103 ، وقوله تعالى { فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } القارعة 6 - 9 إلى غير ذلك من الآيات . وما ذكره جل وغلا في هذه الآية الكريمة من أن موازين يوم القيامة موازين قسط ذكره في " الأعراف " في قوله { وَٱلْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ } الأعراف 8 لأن الحق عدل وقسط . وما ذكره فيها من أنه لا تظلم نفس شيئاً بينه في مواضع أخر كثيرة ، كقوله { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً } النساء 40 ، وقوله تعالى { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ ٱلنَّاسَ شَيْئاً وَلَـٰكِنَّ ٱلنَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } يونس 44 ، وقوله تعالى { وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } الكهف 49 وقد قدمنا الآيات الدالة على هذا في سورة " الكهف " . وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من كون العمل وإن كان مثقال ذرة من خير أو شر أتى به جل وعلا أوضحه في غير هذا الموضع ، كقوله عن لقمان مقرراً له { يٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ أَوْ فِي ٱلأَرْضِ يَأْتِ بِهَا ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } لقمان 16 ، وقوله تعالى { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } الزلزلة 7 - 8 إلى غير ذلك من الآيات . وقوله في هذه الآية الكريمة { وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِين } جمع ميزان . وظاهر القرآن تعدد الموازين لكل شخص ، لقوله { فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ } الأعراف 8 ، وقوله { وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ } الأعراف 9 فظاهر القرآن يدل على أن للعامل الواحد موازين يوزن بكل واحد منها صنف من أعماله ، كما قال الشاعر @ ملك تقوم الحادثات لعدله فلكل حادثة لها ميزان @@ والقاعدة المقررة في الأصول أن ظاهر القرآن لا يجوز العدول عنه إلا بدليل يجب الرجوع إليه . وقال ابن كثير في تفسير هذه الآية الكريمة الأكثر على أنه إنما هو ميزان واحد ، وإنما جمع باعتبار تعدد الأعمال الموزونة فيه . وقد قدمنا في آخر سورة " الكهف " كلام العلماء في كيفية وزن الأعمال ، فأغنى ذلك عن إعادته هنا . وقوله في هذه الآية { ٱلْقِسْطَ } أي العدل ، وهو مصدر ، وصف به ، ولذا لزم إفراده كما قال في الخلاصة @ ونعتوا بمصدر كثيراً فالتزموا الإفراد والتذكيرا @@ كما قدمناه مراراً . ومعلوم أن النعت بالمصدر يقول فيه بعض العلماء إنه للمبالغة . وبعضهم يقول هو بنية المضاف المحذوف ، فعلى الأول كأنه بالغ في عدالة الموازين حتَّى سماها القسط الذي هو العدل . وعلى الثاني فالمعنى الموازين ذوات القسط . واللام في قوله { لِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } فيها أوجه معروفة عند العلماء منها أنها للتوقيت ، أي الدلالة على الوقت ، كقول العرب جئت لخمس ليال بقين من الشهر ، ومنه قول نابغة ذبيان @ توهمت آيات لها فعرفتها لستة أعوام وذا العام سابع @@ ومنها أنها لام كي ، أي نضع الموازين القسط لأجل يوم القيامة ، أي لحساب الناس فيه حساباً في غاية العدالة والإنصاف . ومنها أنها بمعنى في ، أي نضع الموازين القسط في يوم القيامة . والكوفيون يقولون إن اللام تأتي بمعنى في ، ويقولون إن من ذلك قوله تعالى { وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } أي في يوم القيامة ، وقوله تعالى { لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ } الأعراف 187 أي في وقتها . ووافقهم في ذلك ابن قتيبة من المتقدمين ، وابن مالك من المتأخرين ، وأنشد مستشهداً لذلك قول مسكين الدارمي @ أُولئك قومي قد مَضوا لسبيلهم كما قد مَضَى من قَبل عاد وتبَّع @@ يعني مضوا في سبيلهم . وقول الآخر @ وكل أب وابن وإن عَمَّرا معاً مقيمَيْن مفقود لوقتٍ وفاقد @@ أي في وقت . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً } يجوز أن يكون { شَيْئاً } هو المفعول الثاني لـ { تُظْلَمُ } ويجوز أن يكون ما ناب عن المطلق . أي شيئاً من الظلم لا قليلاً ولا كثيراً . ومثقال الشيء وزنه . والخردل حب في غاية الصغر والدقة . وبعض أهل العلم يقول هو زريعة الجرجير . وأنث الضمير في قوله { بِهَا } هو راجع إلى المضاف الذي هو { مِثْقَالَ } وهو مذكر لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه الذي هو { حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ } على حد قوله في الخلاصة @ وربما أكسب ثان أولا تأنيثاً إن كان لحذف مؤهّلا @@ ونظير ذلك من كلام العرب قول عنترة في معلقته @ جاد عليه كل عين ثرة فتركن كل قرارة كالدرهم @@ وقول الراجز @ طول الليالي أسرعت في نقضي نقضن كلي ونقضن بعضي @@ وقول الأعشى @ وتشرق بالقول الذي قد أذعته كما شرقت صدر القناة من الدم @@ وقول الآخر @ مشين كما اهتزت رماح تسفهت أعاليها مر الرياح النواسم @@ فقد أنث في البيت الأول لفظة " كل " لإضافتها إلى " عين " . وأنث في البيت الثاني لفظة " طول " لإضافتها إلى " الليالي " وأنث في البيت الثالث الصدر لإضافته إلى " القناة " وأنث في البيت الرابع " مر " لإضافته إلى " الرياح " . والمضافات المذكورة لو حذفت لبقي الكلام مستقيماً . كما قال في الخلاصة @ … إن كان لحذف مؤهلا @@ وقرأ هذا الحرف عامة القراء ما عدا نافعاً { وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ } بنصب { مِثْقَالَ } على أنه خبر { كَانَ } أي وإن كان العمل الذي يراد وزنه مثقال حبة من خردل . وقرأ نافع وحده { وَإِن كَانَ مِثْقَالَ } بالرفع فالع { كَانَ } على أنها تامة . كقوله تعالى { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ } البقرة 280 الآية .