Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 69-70)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
في الكلام حذف دل المقام عليه ، وتقديره قالوا حرقوه فرموه في النار ، فلما فعلوا ذلك { قُلْنَا يٰنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاَمَا } وقد بين في " الصافات " أنهم لما أرادوا أن يلقوه في النار بنوا له بنياناً ليلقوه فيه . وفي القصة أنهم ألقوه من ذلك البنيان العالي بالمنجنيق بإشارة رجل من أعراب فارس يعنون الأكراد ، وأن الله خسف به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة ، قال تعالى { قَالُواْ ٱبْنُواْ لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي ٱلْجَحِيمِ } الصافات 97 . والمفسرون يذكرون من شدة هذه النار وارتفاع لهبها ، وكثرة حطبها شيئاً عظيماً هائلاً . وذكروا عن نبي الله إبراهيم أنهم لما كتفوه مجرداً ورموه إلى النار ، قال له جبريل هل لك حاجة ؟ قال أما إليك فلا ، وأما الله فنعم ! قال لم لا تسأله ؟ قال علمه بحالي كاف عن سؤالي . وما ذكر الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أنه أمر النار بأمره الكوني القدري أن تكون برداً وسلاماً على إبراهيم يدل على أنه أنجاه من تلك النار . لأن قوله تعالى { كُونِي بَرْداً } يدل على سلامته من حرِّها . وقوله { وَسَلاَمَا } . يدل على سلامته من شرِّ بردها الذي انقلبت الحرارة إليه . وإنجاؤه إياه منها الذي دل عليه أمره الكوني القدري هنا جاء مصرحاً به في " العنكبوت " في قوله تعالى { فَأَنْجَاهُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلنَّارِ } العنكبوت 24 وأشار إلى ذلك هنا بقوله { وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً } الأنبياء 71 الآية . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ ٱلأَخْسَرِينَ } الأنبياء 70 يوضحه ما قبله . فالكيد الذي أرادوه به إحراقه بالنار نصراً منهم لآلهتهم في زعمهم ، وجعله تعالى إياهم الأخسرين . أي الذين هم أكثر خسراناً لبطلان كيدهم وسلامته من نارهم . وقد أشار تعالى إلى ذلك أيضاً في سورة " الصافات " في قوله { فَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ ٱلأَسْفَلِينَ } الصافات 98 وكونهم الأسفلين واضح لعلوه عليهم وسلامته من شرهم . وكونهم الأخسرين لأنهم خسروا الدنيا والآخرة ، وذلك هو الخسران المبين . وفي القصة أن الله سلط عليهم خلقاً من أضعف خلقه فأهلكهم وهو البعوض . وفيها أيضاً أن كل الدواب تطفئ عن إبراهيم النار ، إلا الوزغ فإنه ينفخ النار عليه . وقد قدمنا الأحاديث الواردة بالأمر بقتل الأوزاغ في سورة " الأنعام " وعن أبي العالية لو لم يقل الله { وَسَلاَمَا } لكان بردها أشد عليه من حرها . ولو لم يقل على " إِبْراهِيمَ " لكان بردها باقياً إلى الأبد . وعن علي وابن عباس رضي الله عنهم لو لم يقل " وسلاماً " لمات إبراهيم من بردها . وعن السدي لم تبق في ذلك اليوم نار إلا طفئت . وعن كعب وقتادة لم تحرق النار من إبراهيم إلا وثاقه . وعن المنهال بن عمرو قال إبراهيم ما كنت أياماً قط أنعم مني في الأيام التي كنت فيها في النار . وعن شعيب الحماني أنه ألقي في النار وهو ابن ست عشر سنة . وعن ابن جريج ألقي فيها وهو ابن ست وعشرين . وعن الكلبي بردت نيران الأرض جميعاً ، فما أنضجت ذلك اليوم كراعاً . وذكروا في القصة أن نمروذ أشرف على النار من الصرح فرأى إبراهيم جالساً على السرير يؤنسه ملك الظل ، فقال نعم الرب ربك ، لأقربن له أربعة آلاف بقرة وكف عنه . وكل هذا من الإسرائيليات . والمفسرون يذكرون كثيراً منها في هذه القصة وغيرها من قصص الأنبياء . وقال البخاري في صحيحه حدثنا أحمد بن يونس ، أُرَاهُ قال حدثنا أبو بكر عن أبي حَصِين عن أبي الضُّحَى عن ابن عباس " حسبنا الله ونعم الوكيل " قالها إبراهيم عليه السلام حين أُلقي في النَّار ، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا { ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ } آل عمران 173 حدثنا مالك بن إسماعيل ، حدثنا إسرائيل عن أبي حَصِين عن أبي الضُّحَى عن ابن عباس قال كان آخر قول إبراهيم حين أُلقي في النار " حسبي الله ونعم الوكيل " انتهى .