Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 80-80)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الضمير في قوله { عَلَّمْنَاهُ } راجع إلى داود ، والمراد بصنعة اللبوس صنعة الدروع ونسجها . والدليل على أن المراد باللبوس في الآية الدروع أنه أتبعه بقوله { لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ } أي لتحرز وتقي بعضكم من بأس بعض ، لأن الدرع تقيه ضرر الضرب بالسيف ، والرمي بالرمح والسهم ، كما هو معروف . وقد أوضح هذا المعنى بقوله { وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ أَنِ ٱعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي ٱلسَّرْدِ } سبأ 10 - 11 فقوله { أَنِ ٱعْمَلْ سَابِغَاتٍ } أي أن اصنع دروعاً سابغات من الحديد الذي ألناه لك . والسرد نسج الدرع . ويقال فيه الزرد ، ومن الأول قول أبي ذؤيب الهذلي @ وعليهما مسرودتان قضاهما داود أو اصنع السوابغ تبع @@ ومن الثاني قول الآخر @ نقربهم لهذميات نقد بها ما كان خاط عليهم كل زراد @@ ومراده بالزراد ناسج الدرع . وقوله { وَقَدِّرْ فِي ٱلسَّرْدِ } أي اجعل الحلق والمسامير في نسجك الدرع بأقدار متناسبة . فلا تجعل المسمار دقيقاً لئلا ينكسر ، ولا يشد بعض الحلق ببعض ، ولا تجعله غليظاً غلظاً زائداً فيفصم الحلقة . وإذا عرفت أن اللبوس في الآية الدروع فاعلم أن العرب تطلق اللبوس على الدروع كما في الآية . ومنه قول الشاعر @ عليها أسود ضاويات لبوسهم سوابغ بيض لا يخرقها النبل @@ فقوله " سوابغ " أي دروع سوابغ ، وقول كعب بن زهير @ شم العرانيين أبطال لبوسهم من نسج داود في الهيجا سرابيل @@ ومراده باللبوس التي عبر عنها بالسرابيل الدروع . والعرب تطلق اللبوس أيضاً على جميع السلاح درعاً كان أو جوشناً أو سيفاً أو رمحاً . ومن إطلاقه على الرمح قول أبي كبير الهذلي يصف رمحاً @ ومعي لبوس للبئيس كأنه روق بجبهة ذي نعاج مجفل @@ وتطلق اللبوس أيضاً على كل ما يلبس . ومنه قول بيهس @ البس كل حالة لبوسها إما نعيمها وإما بوسها @@ وما ذكره هنا من الامتنان على الخلق بتعليمه صنعة الدروع ليقيهم بها من بأس السلاح تقدم إيضاحه في سورة " النحل " في الكلام على قوله تعالى { وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ } النحل 81 الآية . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ } الظاهر فيه أن صيغة الاستفهام هنا يراد بها الأمر ، ومن إطلاق الاستفهام بمعنى الأمر في القرآن قوله تعالى { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ فِي ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } المائدة 91 أي انتهوا . ولذا قال عمر رضي الله عنه انتهينا يا رب . وقوله تعالى { وَقُلْ لِّلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ وَٱلأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ } آل عمران 20 الآية ، أي أسلموا . وقد تقرر في فن المعاني أن من المعاني التي تؤدي بصيغة الاستفهام الأمر ، كما ذكرنا . وقوله { شَاكِرُونَ } شكر العبد لربه هو أن يستعين بنعمه على طاعته ، وشكر الرب لعبده هو أن يثيبه الثواب الجزيل من عمله القليل . ومادة " شكر " لا تتعدى غالباً إلا باللام ، وتعديتها بنفسها دون اللام قليلة ، ومنه قول أبي نخيلة @ شكرتك إن الشكر حبل من التقى وما كل من أوليته نعمة يقضى @@ وفي قوله { لِتُحْصِنَكُمْ } ثلاث قراءات سبعية قرأه عامة السبعة ما عدا ابن عامر وعاصماً { لِيحْصِنَكُمْ } بالياء المثناة التحتية ، وعلى هذه القراءة فضمير الفاعل عائد إلى داود ، أو إلى اللبوس ، لأن تذكيرها باعتبار معنى ما يلبس من الدروع جائز . وقرأه ابن عامر وحفص عن عاصم { لِتُحْصِنَكُمْ } بالتاء المثناة الفوقية ، وعلى هذه القراءة فضمير الفاعل راجع إلى اللبوس وهي مؤنثة ، أو إلى الصنعة المذكورة في قوله { صَنْعَةَ لَبُوسٍ } ، وقرأه شعبة عن عاصم { لِنُحْصِنَكُمْ } بالنون الدالة على العظمة وعلى هذه القراءة فالأمر واضح .