Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 105-106)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة : من أن أهل النار يسألون يوم القيامة ، فيقول لهم ربهم { أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } أي في دار الدنيا على ألسنة الرسل فكنتم بها تكذبون ، وأنهم اعترفوا بذلك ، وأنهم لم يجيبوا الرسل لما دعوهم إليه من الإيمان ، لأن الله أراد بهم الشقاء وهم ميسرون لما خلقوا له ، فلذلك كفروا ، وكذبوا الرسل . قد أوضحنا الآيات الدالة عليه في سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } [ الإسراء : 15 ] فأغنى ذلك عن إعادته هنا . وقوله هنا : { قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَآلِّينَ } الظاهر أن معنى قولهم : { غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا } أن الرسل بلغتهم ، وأنذرتهم وتلت عليهم آيات ربهم ، ولكن ما سبق في علم الله من شقاوتهم الأزلية ، غلب عليهم ، فكذبوا الرسل ، ليصيروا إلى ما سبق في علمه جل وعلا ، من شقاوتهم . ونظير الآية على هذا الوجه قوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } [ يونس : 96 - 97 ] وقوله عن أهل النار { قَالُواْ بَلَىٰ وَلَـٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } [ الزمر : 71 ] إلى غير ذلك من الآيات ، ويزيد ذلك إيضاحاً قوله صلى الله عليه وسلم " كلٌّ ميسر لما خلق له " وقوله تعالى : { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } [ التغابن : 2 ] وقوله : { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُمْ } [ هود : 118 - 119 ] على أصح التفسيرين وقوله عنهم { وَكُنَّا قَوْماً ضَآلِّينَ } اعتراف منهم بضلالهم ، حيث لا ينفع الاعتراف بالذنب ولا الندم عليه ، كقوله تعالى : { فَٱعْتَرَفُواْ بِذَنبِهِمْ فَسُحْقاً لأَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ } [ الملك : 11 ] ونحو ذلك من الآيات . وهذا الذي فسرنا به الآية ، هو الأظهر الذي دل عليه الكتاب والسنة ، وبه تعلم أن قول أبي عبدالله القرطبي في تفسير هذه الآية ، وأحسن ما قيل في معناه : غلبت علينا لذاتنا وأهواؤنا ، فسمى اللذات والأهواء شقوة لأنهما يؤديان إليها كما قال الله عز وجل : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَامَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً } [ النساء : 10 ] لأن ذلك يؤديهم إلى النار ا هـ تكلف مخالف للتحقيق . ثم حكى القرطبي ما ذكرنا أنه الصواب بقيل ثم قال : وقيل حسن الظن بالنفس ، وسوء الظن بالخلق ا هـ . ولا يخفى أن الصواب هو ما ذكرنا إن شاء الله تعالى ، وقوله هنا : { قَوْماً ضَآلِّينَ } أي عن الإسلام إلى الكفر ، وعن طريق الجنة إلى طريق النار ، وقرأ هذا الحرف : حمزة ، والكسائي : شقاوتنا بفتح الشين ، والقاف وألف بعدها ، وقرأه الباقون : بكسر الشين ، وإسكان القاف وحذف الألف .