Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 115-116)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الاستفهام في قوله : أفحسبتم للإنكار ، والحسبان هنا معناه : الظن . يعني : أظننتم أنا خلقناكم عبثاً لا لحكمة ، وأنكم لا ترجعون إلينا يوم القيامة ، فنجازيكم على أعمالكم ، إن خيراً فخير ، وإن شراً شر ، ثم نزَّه جل وعلا نفسه ، عن أن يكون خلقهم عبثاً ، وأنهم لا يرجعون إليه للحساب والجزاء . وقوله : { فَتَعَالَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْكَرِيمِ } أي تعاظم وتقدس ، وتنزه عن كل ما لا يليقُ بكماله وجلاله ، ومنه خلقكم عبثاً سبحانه وتعالى ، عن ذلك علواً كبيراً . وما تضمنته هذه الآية من إنكار الظن المذكور جاء موضحاً في غير هذا الموضع كقوله تعالى : { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ ٱلنَّارِ } [ ص : 27 ] وقوله تعالى : { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } [ الدخان : 38 - 39 ] وقوله تعالى : { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ فَجَعَلَ مِنْهُ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } [ القيامة : 36 - 39 ] وقوله : سدى : أي مهملاً لا يحاسب ولا يجازي ، وهو محل إنكار ظن ذلك في قوله : { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى } [ القيامة : 36 ] وقوله : عبثاً : يجوز إعرابه حالاً ، لأنه مصدر منكر أي إنما خلقناكم في حال كوننا عابثين ، ويجوز أن يعرب مفعولاً من أجله : أي إنما خلقناكم ، لأجل العبث لا لحكمة اقتضت خلقنا إياكم ، وأعربه بعضهم مفعولاً مطلقاً ، وليس بظاهر . قال القرطبي عبثاً : أي مهملين ، والعبث في اللغة : اللعب ، ويدل على تفسيره في الآية باللعب قوله تعالى : { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ } [ الدخان : 38 ] وقوله : { ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ } قال بعضهم أي الذي يحق له الملك ، لأن كل شيء منه وإليه . وقال بعضهم : الملك الحق : الثابت الذي لا يزول ملكه ، كما قدمنا إيضاحه في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى : { وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِباً } [ النحل : 52 ] وإنما وصف عرشه بالكرم لعظمته وكبر شأنه والظاهر أن قوله : { وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ } معطوف على قوله : { أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً } خلافاً لمن قال : إنه معطوف على قوله : عبثاً ، لأن الأول أظهر منه والعلم عند الله تعالى .