Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 4-4)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
في المراد بالزكاة هنا وجهان من التفسير معروفان عند أهل العلم . أحدهما : أن المراد بها زكاة الأموال ، وعزاه ابن كثير للأكثرين . الثاني : أن المراد بالزكاة هنا : زكاة النفس أي تطهيرها من الشرك ، والمعاصي بالإيمان بالله ، وطاعته وطاعة رسله عليهم الصلاة والسلام ، وعلى هذا فالمراد بالزكاة كالمراد بها في قوله { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا } [ الشمس : 9 - 10 ] وقوله { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ } [ الأعلى : 14 ] . الآية وقوله { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً } [ النور : 21 ] وقوله { خَيْراً مِّنْهُ زَكَـاةً } [ الكهف : 81 ] الآية وقوله { وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } [ فصلت : 6 - 7 ] على أحد التفسيرين . وقد يستدل لهذا القول الأخير بثلاث قرائن . الأولى : أن هذه السورة مكية ، بلا خلاف ، والزكاة إنما فرضت بالمدينة كما هو معلوم . فدل على أن قوله { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَـاةِ فَاعِلُونَ } نزل قبل فرض زكاة الأموال المعروفة ، فدل على أن المراد به غيرها . القرينة الثانية : هي أن المعروف في زكاة الأموال : أن يعبر عن أدائها بالإيتاء كقوله تعالى { وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ } [ البقرة : 43 ] وقوله { وَإِيتَآءَ ٱلزَّكَـاةِ } [ الأنبياء : 73 ] ونحو ذلك . وهذه الزكاة المذكورة هنا ، لم يعبر عنها بالإيتاء ، بل قال تعالى فيها { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَـاةِ فَاعِلُونَ } فدل على أن هذه الزكاة : أفعال المؤمنين المفلحين ، وذلك أولى بفعل الطاعات ، وترك المعاصي من أداء مال . الثالثة : أن زكاة الأموال تكون في القرآن عادة مقرونة بالصلاة ، من غير فصل بينهما كقوله { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ } [ البقرة : 43 ] وقوله { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَاةَ } [ البقرة : 277 ] وقوله { وَإِقَامَ ٱلصَّلاَة وَإِيتَآءَ ٱلزَّكَـاةِ } [ الأنبياء : 73 ] وهذه الزكاة المذكورة هنا فصل بين ذكرها ، وبين ذكر الصلاة بجملة { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ } [ المؤمنون : 3 ] . والذين قالوا المراد بها زكاة الأموال قالوا : إن أصل الزكاة فرض بمكة قبل الهجرة ، وأن الزكاة التي فرضت بالمدينة سنة اثنتين هي ذات النصب ، والمقادير الخاصة . وقد أوضحنا هذا القول في الأنعام في الكلام على قوله تعالى { وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } [ الأنعام : 141 ] وقد يستدل ، لأن المراد بالزكاة في هذه الآية غير الأعمال التي تزكى بها النفوس من دنس الشرك والمعاصي ، بأنا لو حملنا معنى الزكاة على ذلك ، كان شاملاً لجميع صفات المؤمنين المذكورة في أول هذه السورة ، فيكون كالتكرار معها ، والحمل على التأسيس والاستقلال أولى من غيره ، كما تقرر في الأصول . وقد أوضحناه في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى { فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً } [ النحل : 97 ] الآية والذين قالوا : هي زكاة الأموال قالوا : فاعلون أي مؤدون ، قالوا : وهي لغة معروفة فصيحة ، ومنها قول أمية بن أبي الصلت : @ المطعمون الطعام في السنة الأز مــة والفاعلون للزكوات @@ وهو واضح ، بحمل الزكاة على المعنى المصدري بمعنى التزكية للمال ، لأنها فعل المزكي كما هو واضح . ولا شك أن تطهير النفس بأعمال البر ، ودفع زكاة المال كلاهما من صفات المؤمنين المفلحين الوارثين الجنة . وقد قال ابن كثير رحمه الله : وقد يحتمل أن المراد بالزكاة ها هنا : زكاة النفس من الشرك ، والدنس إلى أن قال ويحتمل أن يكون كلا الأمرين مراداً وهو زكاة النفوس ، وزكاة الأموال فإنه من جملة زكاة النفوس ، والمؤمن الكامل هو الذي يفعل هذا وهذا والله أعلم . اهـ منه .