Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 70-70)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أم المذكورة في هذه الآية هي المعروفة عند النحويين بأم المنقطعة . وضابطها ألا تتقدم عليها همزة تسوية نحو { سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ } [ البقرة : 6 ] الآية أو همزة مغنية ، عن لفظة : أي كقولك أزيد عندك أم عمرو ؟ أي أيهما عندك فالمسبوقة بإحدى الهمزتين المذكورتين ، هي المعروفة عندهم بأم المتصلة ، والتي لم تسبق بواحدة منهما هي المعروفة بالمنقطعة كما هنا . وأم المنقطعة تأتي لثلاثة معان . الأول : أن تكون بمعنى : بل الإضرابية . الثاني : أن تكون بمعنى همزة استفهام الإنكار . الثالث : أن تكون بمعناهما معاً فتكون جامعة بين الإضراب والإنكار ، وهذا الأخير هو الأكثر في معناها ، خلافاً لابن مالك في الخلاصة في اقتصاره على أنها بمعنى : بل في قوله : @ وبانقطاع وبمعنى بل وفت إن تك مما قيدت به خلت @@ ومراده بخلودها مما قيدت به : ألا تسبقها إحدى الهمزتين المذكورتين ، فإن سبقتها إحداهما ، فهي المتصلة كما تقدم قريباً ، وعلى ما ذكرنا فيكون المعنى متضمناً للإضراب عما قبله إضراباً انتقالياً ، مع معنى استفهام الإنكار ، فتضمن الآية الإنكار على الكفار في دعواهم : أن نبينا صلى الله عليه وسلم به جنة : أي جنون يعنون : أن هذا الحق الذي جاءهم به هذيان مجنون ، قبحهم الله ما أجحدهم للحق ، وما أكفرهم ودعواهم عليه هذه أنه مجنون كذبها الله هنا بقوله : { بَلْ جَآءَهُمْ بِٱلْحَقِّ } فالإضراب ببل إبطالي . والمعنى : ليس بمجنون بل هو رسول كريم جاءكم بالحق الواضح ، المؤيد بالمعجزات الذي يعرف كل عاقل ، أنه حق ، ولكن عاندتم وكفرتم لشدة كراهيتكم للحق ، وما نفته هذه الآية الكريمة من دعواهم عليه الجنون صرح الله بنفيه في مواضع أخر كقوله تعالى : { وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ } [ التكوير : 22 ] وقوله تعالى : { فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ } [ الطور : 29 ] وهذا الجنون الذي افترى على آخر الأنبياء ، افترى أيضاً على أولهم ، كما قال تعالى في هذه السورة الكريمة عن قوم نوح أنهم قالوا فيه { إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُواْ بِهِ حَتَّىٰ حِينٍ } [ المؤمنون : 25 ] وقد بين في موضع آخر أن الله لم يرسل رسولاً إلا قال قومه : إنه ساحر ، أو مجنون ، كأنهم اجتمعوا فتواصوا على ذلك لتواطئ أقوالهم لرسلهم عليه ، وذلك في قوله تعالى : { كَذَلِكَ مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتَوَاصَوْاْ بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } [ الذاريات : 52 - 53 ] فبين أن سبب تواطئهم على ذلك ليس التواصي به ، لاختلاف أزمنتهم ، وأمكنتهم . ولكن الذي جمعهم على ذلك هو مشابهة بعضهم لبعض في الطغيان ، وقد أوضح هذا المعنى في سورة البقرة في قوله { كَذَلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ } [ البقرة : 118 ] فهذه الآيات تدل على أن سبب تشابه مقالاتهم لرسلهم ، هو تشابه قلوبهم في الكفر والطغيان ، وكراهية الحق وقوله : { وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } ذكر نحو معناه في قوله تعالى : { لَقَدْ جِئْنَاكُم بِٱلْحَقِّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } [ الزخرف : 78 ] وقوله تعالى : { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمُنْكَرَ } [ الحج : 72 ] الآية ، وذلك المنكر الذي تعرفه في وجوههم ، إنما هو لشدة كراهيتهم للحق ، ومن الآيات الموضحة لكراهيتهم للحق . أنهم يمتنعون من سماعه ، ويستعملون الوسائل التي تمنعهم من أن يسمعوه ، كما قال تعالى في قصة أول الرسل الذين أرسلهم بتوحيده والنهي عن الإشراك به ، وهو نوح : { وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوۤاْ أَصَابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِمْ وَٱسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّواْ وَٱسْتَكْبَرُواْ ٱسْتِكْبَاراً } [ نوح : 7 ] وإنما جعلوا أصابعهم في آذانهم ، واستغشوا ثيابهم خوف أن يسمعوا ما يقوله لهم نبيهم نوح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ، من الحق ، والدعوة إليه . وقال تعالى في أمة آخر الأنبياء صلى الله عليه وسلم { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ } [ فصلت : 26 ] الآية . فترى بعضهم ينهى بعضاً عن سماعه ، ويأمرهم باللغو فيه ، كالصياح والتصفيق المانع من السماع لكراهتهم للحق ، ومحاولتهم أن يغلبوا الحق بالباطل . وفي الآية الكريمة سؤال معروف وهو أن يقال : قوله : { وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } يفهم من مفهوم مخالفته ، أن قليلاً من الكفار ، ليسوا كارهين للحق . وهذا السؤال وارد أيضاً على آية الزخرف التي ذكرنا آنفاً ، وهو قوله تعالى : { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } [ الزخرف : 78 ] . والجواب عن هذا السؤال : هو ما أجاب به بعض أهل العلم بأن قليلاً من الكفار . كانوا لا يكرهون الحق ، وسبب امتناعهم عن الإيمان بالله ورسوله ليس هو كراهيتهم للحق ، ولكن سببه الأنفة والاستنكاف من توبيخ قومهم ، وأن يقولوا صبأوا وفارقوا دين آبائهم ، ومن أمثلة من وقع له هذا أبو طالب فإنه لا يكره الحق ، الذي جاء به النَّبي صلى الله عليه وسلم ، وقد كان يشد عضده في تبليغه رسالته كما قدمنا في شعره في قوله : @ اصدع بأمرك ما عليك غضاضة @@ الأبيات وقال فيها ، @ ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا @@ وقال فيه صلى الله عليه وسلم أيضاً : @ لقد علموا أن ابننا لا مكذب لدينا ولا يعني بقول الأباطل @@ وقد بين أبو طالب في شعره : أن السبب المانع له من اعتناق الإسلام ليس كراهية الحق ، ولكنه الأنفة والخوف من ملامة قومه أو سبهم له كما في قوله :