Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 71-71)

Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ } . اختلف العلماء في المراد بالحق في هذه الآية ، فقال بعضهم : الحق : هو الله تعالى ، ومعلوم أن الحق من أسمائه الحسنى ، كما في قوله تعالى : { وَيَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ ٱلْمُبِينُ } [ النور : 25 ] وقوله : { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ } [ الحج : 62 ] وكون المراد بالحق في الآية : هو الله عزاه القرطبي للأكثرين ، ومن قال به : مجاهد وابن جريج ، وأبو صالح ، والسدي . وروي عن قتادة ، وغيرهم . وعلى هذا القول فالمعنى لو أجابهم الله إلى تشريع ما أحبوا تشريعه وإرسال من اقترحوا إرساله ، بأن جعل أمر التشريع وإرسال الرسل ونحو ذلك تابعاً لأهوائهم الفاسدة ، لفسدت السموات والأرض ، ومن فيهن ، لأن أهواءهم الفاسدة وشهواتهم الباطلة ، لا يمكن أن تقوم عليها السماء والأرض وذلك لفساد أهوائهم ، واختلافها . فالأهواء الفاسدة المختلفة لا يمكن أن يقوم عليها نظام اسماء والأرض ومن فيهن ، بل لو كانت هي المتبعة لفسد الجميع . ومن الآيات الدالة على أن أهواءهم لا تصلح ، أن تكون متبعة قوله تعالى : { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] لأن القرآن لو أنزل على أحد الرجلين المذكورين ، وهو كافر يعبد الأوثان فلا فساد أعظم من ذلك . وقد رد الله عليهم بقوله : { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ } [ الزخرف : 32 ] الآية وقال تعالى : { قُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ ٱلإِنْفَاقِ وَكَانَ ٱلإنْسَانُ قَتُوراً } [ الإسراء : 100 ] وقال تعالى : { أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ ٱلْمُلْكِ فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ ٱلنَّاسَ نَقِيراً } [ النساء : 53 ] قال ابن كثير رحمه الله : ففي هذا كله تبيين عجز العباد ، واختلاف أرائهم وأهوائهم ، وأنه تعالى هو الكامل في جميع صفاته وأقواله وأفعاله وشرعه وقدره وتدبيره لخلقه سبحانه وتعالى علواً كبيراً . ومما يوضح أن الحق لو اتبع الأهواء الفاسدة المختلفة لفسدت السموات والأرض ومن فيهن قوله تعالى : { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا } [ الأنبياء : 22 ] فسبحان الله رب العرش عما يصفون . القول الثاني : أن المراد بالحق في الآية : الحق الذي هو ضد الباطل المذكور في قوله قبله : { وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } [ المؤمنون : 70 ] وهذا القول الأخير اختاره ابن عطية ، وأنكر الأول . وعلى هذا القول فالمعنى : أنه لو فرض كون الحق متبعاً لأهوائهم ، التي هي الشرك بالله ، وادعاء الأولاد ، والأنداد له ونحو ذلك : لفسد كل شيء لأن هذا الغرض وهو يصير به الحق ، هو أبطل الباطل ، ولا يمكن أن يقوم نظام السماء والأرض على شيء ، هو أبطل الباطل ، لأن استقامة نظام هذا العالم لا تمكن إلا بقدرة وإرادة إله هو الحق منفرد بالتشريع ، والأمر والنهي كما لا يخفى على عاقل والعلم عند الله تعالى . قوله تعالى : { بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِمْ مُّعْرِضُونَ } . اختلف العلماء في الذكر في الآية فمنهم من قال : ذكرهم : فَخْرُهُمْ ، وشَرَفُهُمْ ، لأن نزول هذا الكتاب على رجل منهم فيه لهم أكبر الفخر والشرف ، وعلى هذا ، فالآية كقوله : { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } [ الزخرف : 44 ] على تفسير الذكر بالفخر والشرف ، وقال بعضهم : الذكر في الآية : الوعظ والتوصية ، وعليه فالآية كقوله : { ذٰلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَٱلذِّكْرِ ٱلْحَكِيمِ } [ آل عمران : 58 ] وقال بعضهم : الذكر هو ما كانوا يتمنونه في قولهم : { لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ لَكُنَّا عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } [ الصافات : 168 - 169 ] وعليه ، فالآية كقوله تعالى : { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ } [ فاطر : 42 ] وعلى هذا القول فقوله : { فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً } [ فاطر : 42 ] الآية كقوله هنا ، فهم عن ذكرهم معرضون . وكقوله : { أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْكِتَابُ لَكُنَّآ أَهْدَىٰ مِنْهُمْ } [ الأنعام : 157 ] والآيات بمثل هذا على القول الأخير كثيرة والعلم عند الله تعالى .