Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 84-89)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قدمنا ما دلت عليه هذه الآيات الكريمة ، من كماله وجلاله وأوصاف ربوبيته المستلزمة لإخلاص العبادة له وحده ، في سورة يونس في الكلام على قوله تعالى : { قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ ٱلسَّمْعَ وٱلأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } [ يونس : 31 ] وفي سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله : { إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } [ الإسراء : 9 ] وأوضحنا دلالة توحيده في ربوبيته ، على توحيده في عبادته وقد ذكرنا كثيراً من الآيات القرآنية الدالة على ذلك ، مع الإيضاح ، فأغنى ذلك عن إعادته هنا . وقوله في هذه الآية الكريمة : { مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ } الملكوت : فعلوت من الملك : أي من بيده ملك كل شيء ، بمعنى : من هو مالك كل شيء كائناً ما كان : وقال بعض أهل العلم : زيادة الواو والتاء في نحو : الملكوت ، والرحموت ، والرهبوت بمعنى الملك والرحمة ، والرهبة : تفيد المبالغة في ذلك . والله تعالى أعلم . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : { وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ } أي هو يمنع من شاء ممن شاء ، ولا يمنع أحد منه أحداً شاء أن يهلكه أو يعذبه ، لأنه هو القادر وحده ، على كل شيء ، وهو القاهر فوق عباده ، وهو الحكيم الخبير . ومنه قول الشاعر . @ أراك طفقت تظلم من أجرنا وظلم الجار إذلال المجير @@ وقوله تعالى : { فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ } أي كيف تخدعون ، وتصرفون عن توحيد ربكم ، وطاعته مع ظهور براهينه القاطعة وأدلته الساطعة ، وقيل : { فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ } أي كيف يخيل إليكم ، أن تشركوا به ما لا يضر ، ولا ينفع ، ولا يغني عنكم شيئاً بناء على أن السحر هو التخييل . وقد قدمنا الكلام على السحر مستوفى في سورة طه في الكلام على قوله تعالى : { وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ } [ طه : 69 ] والظاهر أن معنى تسحرون هنا : تخدعون بالشبه الباطلة فيذهب بعقولكم ، عن الحق كما يفعل بالمسحور . والله تعالى أعلم . وقوله : { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } قرأه حفص عن عاصم ، وحمزة ، والكسائي بتخفيف الذال بحذف إحدى التاءين ، والباقون بالتشديد لإدغام التاءين في الذال . وقوله تعالى : { سَيَقُولُونَ لِلَّهِ } جاء في هذه الآيات ثلاث مرات . الأول : { سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } . وهذه اتفق جميع السبعة على قراءتها بلام الجر الداخلة على لفظ الجلالة ، لأنها جواب المجرور بلام الجر ، وقوله تعالى : { قُل لِّمَنِ ٱلأَرْضُ وَمَن فِيهَآ } فجواب لمن الأرض ، هو أن تقول : لله ، وأما الثاني الذي هو { سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } والثالث : الذي هو قوله { سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ } فقد قرأهما أبو عمرو بحذف لام الجر ورفع الهاء من لفظ الجلالة . والمعنى : على قراءة أبي عمرو المذكورة واضح لا إشكال فيه ، لأن الظاهر في جواب من رب السموات السبع ، ورب العرش العظيم ، أن تقول : الله بالرفع أي رب ما ذكر هو الله ، وكذلك جواب قوله : { مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ } الآية . فالظاهر في جوابه أيضاً أن يقال : الله بالرفع : أي الذي بيده ملكوت كل شيء هو الله ، فقراءة أبي عمرو جارية على الظاهر ، الذي لا إشكال فيه . وقرأ الحرفين المذكورين غيره من السبعة ، بحرف الجر وخفض الهاء من لفظ الجلالة كالأول . وفي هذه القراءة التي هي قراءة الجمهور سؤال معروف : وهو أن يقال : ما وجه الإتيان بلام الجر ، مع أن السؤال لا يستوجب الجواب بها ، لأن قول : { مَن رَّبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ ٱلسَّبْعِ وَرَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ } الظاهر أن يقال في جوابه : ربهما الله ، وإذا يشكل وجه الإتيان بلام الجر . والجواب عن هذا السؤال معروف واضح ، لأن قوله تعالى : { مَن رَّبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ } الآية : وقوله : { مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ } فيه معنى من هو مالك السموات والأرض ، والعرش ، وكل شيء فيحسن الجواب بأن يقال : لله : أي كل ذلك ملك لله ، ونظيره من كلام العرب قول الشاعر : @ إذا قيل من رب المزالف والقرى ورب الجياد الجرد قلت لخالد @@ لأن قوله : من رب المزالف فيه معنى من هو مالكها ، فحسن الجواب باللام : أي هي لخالد . والمزالف : جمع مزلفة كمرحلة . قال في القاموس : هي كل قرية تكون بين البر والريف ، وجمعها مزالف .