Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 41-41)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أن الضمير المحذوف الذي هو فاعل علم قال بعض أهل العلم : إنه راجع إلى الله تعالىفي قوله : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ } الآية ، وعلى هذا فالمعنى كل من المسبحين والمصلين . قد علم الله صلاته وتسبيحه . وقال بعض أهل العلم : إن الضمير المذكور إلى قوله : { كُلٌّ } أي كل من المصلين والمسبحين ، قد علم صلاة نفسه وتسبيح نفسه ، وقد قدمنا في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ } [ النحل : 97 ] الآية كلام الأصوليين في أن اللفظ إن احتمل التوكيد والتأسيس حُمل على التأسيس ، وبيّنا أمثلة متعددة لذلك من القرآن العظيم . وإذا علمت ذلك فاعلم أن الأظهر على مقتضى ما ذكرنا عن الأصوليين ، أن يكون ضمير الفاعل المحذوف في قوله : { كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ } راجعاً إلى قوله { كُلٌّ } أي كل من المصلين قد علم صلاة نفسه ، وكل من المسبحين ، قد علم تسبيح نفسه ، وعلى هذا القول فقوله تعالى { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ } تأسيس لا تأكيد ، أما على القول بأن الضمير راجع إلى الله : أي قد علم صلاته يكون قوله : { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ } كالتكرار مع ذلك فيكون من قبيل التوكيد اللفظي . وقد علمت أن المقرر في الأصول أن الحمل على التأسيس أرجح من الحمل على التوكيد كما تقدم إيضاحه . والظاهر أن الطير تُسبِّح وتصلي صلاة وتسبيحاً يعملهما الله ، ونحن لا نعلمهما كما قال تعالى : { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } [ الإسراء : 44 ] . ومن الآيات الدالة على أن غير العُقلاء الله ونحن لا نعلمه . قوله تعالى في الحجارة { وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ } [ البقرة : 74 ] فأثبت خشية للحجارة ، والخشية تكون بإدراك . وقوله تعالى : { لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ } [ الحشر : 21 ] وقوله تعالى : { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا } [ الأحزاب : 72 ] الآية . والإباء والإشفاق إنما يكونان بإدراك ، والآيات والأحاديث واردة بذلك ، وهو الحق . وظاهر الآية أن للطير صلاة وتسبيحاً ، ولا مانع من الحمل على الظاهر ونقل القرطبي عن سفيان : أنَّ للطير ليس فيها ركوع ولا سجود اهـ . ومعلوم أن الصلاة في اللغة الدعاء ، ومنه قول الأعشى : @ تقول بنتي وقد غربت مرتحلاً با ربِّ جنِّب أبي الأوصاب والوجعَا عليكِ مثل الذي صليتِ فاغتبطي نوماً فإنّ لجنب المرء مضجعا @@ فقوله : مثل الذي صليت أي دعوت يعني قولها : يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا . وقوله : { صَآفَّاتٍ } : أي صافّات أجنحتها في الهواء وقد بيّن تعالى في غير هذا الموضع أن إمساكه الطير صافات أجنحتها في الهواء وقابضات لها من آيات قدرته ، واستحقاقه العبادة وحده ، وذلك في قوله تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى ٱلطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱلرَّحْمَـٰنُ } [ الملك : 19 ] الآية . وقوله تعالى : { أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ ٱلطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ ٱلسَّمَآءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱللَّهُ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [ النحل : 79 ] .