Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 12-12)
Tafsir: at-Taḥrīr wa-t-tanwīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن النار يوم القيامة ، إذا رأت الكفار من مكان بعيد : أي في عرصات المحشر أشتدّ غيظها على من كفر بربها ، وعلا زفيرها فسمع الكفار صوتها من شدة غيظها ، وسمعوا زفيرها . وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة بين بعضه في سورة الملك ، فأوضح فيها شدة غيظها على من كفر بربها ، وأنهم يسمعون لها أيضاً شهيقاً مع الزفير الذي ذكره في آية الفرقان ، هذه ، وذلك في قوله تعالى : { إِذَآ أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ } [ الملك : 7ـ8 ] أي يكاد بعضها ينفصل عن بعض من شدة غيظها ، على من كفر بالله تعالى . وللعلماء أقوال في معنى الزفير والشهيق ، وأقربها ، أنهما يمثلهما معاً صوت الحمار في نهيقه ، فأوله زفير ، وآخره الذي يردده في صدره شهيق . والأظهر أن معنى قوله تعالى : { سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً } أي سمعوا غليانها من شدة غيظها ، ولما كان سبب الغليان التغيظ أطلقه عليه ، وذلك أسلوب عربي معروف . وقال بعض أهل العلم : { سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً } : أي أدركوه ، والإدراك يشمل الرؤية والسمع ، وعلى هذا فالسمع مضمن معنى الإدراك ، وما ذكرنا أظهر . وقال القرطبي : قيل المعنى إذا رأتهم جهنم سمعوا لها صوت التغيظ عليهم ، ثم ذكر في آخر كلامه أن هذا القول هو الأصح . مسألة اعلم أن التحقيق أن النار تبصر الكفار يوم القيامة ، كما صرح الله بذلك في قوله تعالى : { إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } ورؤيتها إياهم من مكان بعيد ، تدل على حدة بصرها كما لا يخفى ، كما أن النار تتكلم كما صرح الله به في قوله : { يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلأَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ } [ ق : 30 ] والأحاديث الدالة على ذلك كثيرة ، كحديث محاجة النار مع الجنة ، وكحديث اشتكائها إلى ربها ، فأذن لها في نفسين ، ونحو ذلك ، ويكفي في ذلك أن الله جل وعلا صرح في هذه الآية ، أنها تراهم وأن لها تغيظاً على الكفار ، وأنها تقول : هل من مزيد . واعلم أن ما يزعمه كثير من المفسرين وغيرهم ، من المنتسبين للعلم من أن النار لا تبصر ، ولا تتكلم ، ولا تغتاظ . وأن ذلك كله من قبيل المجاز ، أو أن الذي يفعل ذلك خزنتها كله باطل ولا معول عليه لمخالفته نصوص الوحي الصحيحة بلا مستند ، والحق هو ما ذكرنا . وقد أجمع من يعتد به من أهل العلم على أن النصوص من الكتاب والسنة ، لا يجوز صرفها عن ظاهرها إلا لدليل يجب الرجوع إليه ، كما هو معلوم في محله . وقال القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة : " إن القول بأن النار تراهم هو الأصح ، ثم قال لما رُوِيَ مرفوعاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من كَذَبَ عليَّ متعمداً فليتبوَّأ بين عيني جهنم مقعداً . قيل يا رسول الله أو لَها عينان ؟ قال : أو ما سمعتم الله عزَّ وجلَّ يقول : { إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً } يخرج عنق من النار له عينان تبصران ولسان ينطق فيقول : وكلت بكل من جعل مع الله إلهاً آخر فهو أبصر بهم من الطير بحب السمسم فيلتقطه " وفي رواية " يخرج عنق من النار فيلتقط الكفار لقط الطائر حب السمسم " ذكره رزين في كتابه ، وصححه ابن العربي في قبسه ، وقال : أي تفصلهم عن الخلق في المعرفة ، كما يفصل الطائر حب السمسم عن التربة ، وخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يخرج عنق من النار يوم القيامة له عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق فيقول : إني وكلت بثلاث : بكل جبار عنيد وبكل من دعا مع الله إلهاً آخر وبالمصورين " وفي الباب عن أبي سعيد قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب صحيح . انتهى محل الغرض من كلام القرطبي . وقال صاحب الدر المنثور : وأخرج الطبراني ، وابن مردويه من طريق مكحول ، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعداً من بين عيني جهنم . قالوا يا رسول الله : وهل لجهنم من عين ؟ قال : نعم أما سمعتم الله يقول : إذا رأتهم من مكان بعيد . فهل تراهم إلا بعينين " وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، من طريق خالد بن دريك ، عن رجل من الصحابة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من يقل عليَّ ما لم أقل ، أو ادعى إلى غير والديه ، أو انتمى إلى غير مواليه ، فليتبوأ بين عيني جهنم مقعداً قيل : يا رسول الله وهل لها من عينين ؟ قال : نعم أما سمعتم الله يقول : { إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيد } إلى آخر كلامه " ، وفيه شدة هول النار ، وأنها تزفر زفرة يخاف منها جميع الخلائق . نرجو الله جل وعلا أن يعيذنا وإخواننا المسلمين منها ، ومن كل ما قرب إليها من قول وعمل .